الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل والسنة أن يتلاعنا قياما بحضرة جماعة في الأوقات ، والأماكن المعظمة . وإذا بلغ كل واحد منهما الخامسة أمر الحاكم رجلا فأمسك يده على في الرجل وامرأة تضع يدها على في المرأة ، ثم يعظه ، فيقول : اتق الله ، فإنها الموجبة ، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وأن يكون ذلك بحضرة الحاكم ، فإن كانت المرأة خفرة بعث من يلاعن بينهما . وإذا قذف الرجل نساءه فعليه أن يفرد كل واحدة بلعان . وعنه : يجزئه لعان واحد يقول : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتكن به من الزنا . وتقول كل واحدة : أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا ، وعنه : إن كان القذف بكلمة واحدة أجزأه لعان واحد . وإن قذفهن بكلمات أفرد كل واحدة بلعان .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( والسنة أن يتلاعنا قياما ) لقوله عليه السلام لهلال بن أمية : قم فاشهد أربع شهادات ولأنه أبلغ في الردع فيبدأ الزوج فيلتعن ، وهو قائم ، فإذا فرغ قامت المرأة ، فالتعنت ( بحضرة جماعة ) ، لحضور ابن عباس ، وابن عمر وسهل بن سعد مع حداثة أسنانهم ، فدل على أنه حضر جمع كثير ، لأن الصبيان إنما يحضرون تبعا للرجال إذ اللعان مبني على التغليظ للردع والزجر . وفعله في الجماعة أبلغ في ذلك . ويستحب ألا ينقصوا عن أربعة ; لأن بينة الزنا التي شرع اللعان من أجل الرمي به أربعة وليس بواجب بغير خلاف نعلمه . ( في الأوقات ، والأماكن المعظمة ) هذا قول أبي الخطاب وجزم به في " المستوعب " و " المحرر " و " الوجيز " ، ففي الزمان بعد العصر لقول الله تعالى تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله [ المائدة : 106 ] . والمراد صلاة العشاء في قول [ ص: 79 ] المفسرين . وقال أبو الخطاب : وبين الأذانين ; لأن الدعاء بينهما لا يرد . وفي المكان بمكة بين الركن الذي فيه الحجر الأسود والمقام ، وهو المسمى بالحطيم . ولو قيل : بالحجر لكان أولى ; لأنه من البيت . وبالمدينة عند المنبر مما يلي القبر الشريف لقوله عليه السلام : ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة . وببيت المقدس عند الصخرة ، وفي سائر البلدان في جوامعها ، وهل يجوز أن يرتقيا على المنابر أو لا ؛ وإن كان في الناس كثرة ، فيه احتمال ، أو وجه ، قاله في " الواضح " . وحائض ونحوها بباب المسجد لتحريم مكثها فيه ، فلو رأى الإمام تأخيره إلى انقطاع الدم وغسلها لم يبعد . والوجه الثاني : لا يستحب التغليظ مطلقا قاله القاضي ، وقدمه في " الكافي " ; لأن الله تعالى أطلق الأمر به ، ولأنه عليه السلام أمر الرجل بإحضار امرأته ، ولم يخصه بزمن ، ولو خصه لنقل . وأطلق الخلاف في " الفروع " وخصهما في " الترغيب " بالذمة . وظاهره على الأول ، ولو كانا كافرين ، فعلى هذا يحضرهم في أوقاتهم المعظمة وبيوت عبادتهم كالكنائس لأهل الكتاب ، وبيوت النار للمجوس . ويحتمل أن يغلظ بالمكان ، فإن كانت المسلمة حائضا ، وقفت على باب المسجد . ( وإذا بلغ كل واحد منهما الخامسة أمر الحاكم رجلا فأمسك يده على في الرجل وامرأة تضع يدها على في المرأة ، ثم يعظه ) ، لما روى ابن عباس قال : تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، ثم أمر به فأمسك على فيه ، فوعظه ، وقال : ويحك كل شيء أهون عليك من لعنة الله ، ثم أرسل ، فقال : لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، ثم دعا بها فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، ثم أمر [ ص: 80 ] بها فأمسكت على فيها فوعظها ، وقال : ويلك ، كل شيء أهون عليك من غضب الله . أخرجه الجوزجاني .

                                                                                                                          وظاهره أن الواعظ هو الحاكم . وحكاه في " الرعاية " قولا ( فيقول : اتق الله ، فإنها الموجبة ) للعنة والغضب من الله . ( وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ) لما روى ابن عباس قال : لما كانت الخامسة قيل لهلال بن أمية : اتق الله ، فإنها الموجبة ، وفيه فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ; لأن عذاب الدنيا منقطع وعذاب الآخرة دائم ; ليتوب الكاذب منهما ويرتدع عما عزم عليه . ( وأن يكون ذلك بحضرة الحاكم ) أو نائبه . وقد تقدم أن هذا شرط لصحة اللعان ، فإن تحاكما إلى رجل يصلح للقضاء فحكماه بينهما فلاعن لم يصح ; لأن اللعان مبني على التغليظ ، فلم يجز لغير الحاكم كالحد . وحكى المؤلف أنه ينفذ في ظاهر كلام أحمد ، وسواء كان الزوجان حرين ، أو مملوكين في ظاهر كلام الخرقي . وقال الشافعي : للسيد أن يلاعن بين عبده وأمته كالحد . وجوابه : أنه لا يملك إقامته على أمته المزوجة ، ثم لا يشبه اللعان الحد ; لأنه زجر وتأديب ، واللعان إما شهادة ، أو يمين فافترقا . ( فإن كانت المرأة خفرة ) بفتح الخاء وكسر الفاء ، يعني : شديدة الحياء ، وهي ضد البرزة ( بعث من يلاعن بينهما ) يعني : نائبه وعدولا ، فلو اقتصر على نائبه جاز ; لأن الجمع غير واجب كما يبعث من يستحلفهما في الحقوق ، ولأن الغرض يحصل ببعث من يثق الحاكم به ، فلا ضرورة إلى إحضارها وترك عادتها مع حصول الغرض بدونه . وفي " عيون المسائل " : للزوج أن يلاعن مع غيبتها وتلاعن مع غيبته .

                                                                                                                          [ ص: 81 ] ( وإذا قذف الرجل نساءه فعليه أن يفرد كل واحدة بلعان ) على المذهب سواء قذفهن بكلمة ، أو كلمات ; لأنه قاذف لكل واحدة منهن ، أشبه ما لو لم يقذف غيرها ويبدأ بلعان التي تبدأ بالمطالبة ، فإن طالبن جميعا ، أو تشاححن ، فالقرعة‌‌ ، وإن لم يتشاححن بدأ بمن شاء منهن ، ولو بدأ بواحدة منهن من غير قرعة مع المشاحة جاز . ( وعنه : يجزئه لعان واحد ) لأن اللعان تابع للقذف ، والقذف وإن تعدد فكلمته واحدة ، فعلى هذا ( يقول : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتكن به من الزنا ، وتقول كل واحدة : أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا ) ، لأن حلفهن جملة لا يمكن . ( وعنه : إن كان القذف بكلمة واحدة أجزأه لعان واحد ) لأنه قذف واحد ، فخرج عن عهدته بلعان واحد كما لو قذف واحدة . ( وإن قذفهن بكلمات أفرد كل واحدة بلعان ) كما لو قذف كل واحدة بعد لعان الأخرى . وعنه : إن طالبوا عند الحاكم مطالبة واحدة فحد واحد ، وإلا فحدود حكاها في " المستوعب " .




                                                                                                                          الخدمات العلمية