الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( باب بالتنوين التخصيص ) وتتوقف معرفته على بيان المخصص - بكسر الصاد - والمخصص - بفتحها - فأما التخصيص : فرسموه بأنه ( قصر العام على بعض أجزائه ) قال ابن مفلح : ولعله مراد من قال " على بعض مسمياته " فإن مسمى العام جميع ما يصلح له اللفظ ، لا بعضه . وقال البرماوي تبعا لجمع الجوامع : هو قصر العام على بعض أفراده ، فخرج تقييد المطلق ، لأنه قصر مطلق ، لا عام ، كرقبة مؤمنة . وكذا الإخراج من العدد ، كعشرة إلا ثلاثة . ونحو ذلك ، ودخل ما عمومه باللفظ [ ص: 388 ] ك " اقتلوا المشركين " قصر بالدليل على غير الذمي وغيره ممن عصم بأمان ، وما عمومه بالمعنى ، كقصر علة الربا في بيع الرطب بالتمر مثلا . بأنه ينقص إذا جف على غير العرايا . والمراد من قصر العام : قصر حكمه ، وإن كان لفظ " العام " باقيا على عمومه ، لكن لفظا لا حكما . فبذلك يخرج إطلاق العام وإرادة الخاص . فإن ذلك قصر إرادة لفظ العام ، لا قصر حكمه . وقد ورد على تعريف التخصيص : أنه إنما يكون تخصيصا بدليل عام ، لا قصر العام بدليله . وجوابه : أن الكلام في التخصيص الشرعي فالتقدير قصر الشارع العام على بعض أفراده ، فأضيف المصدر إلى مفعوله . وحذف الفاعل للعلم به ( ويطلق ) التخصيص ( على قصر لفظ غير عام على بعض مسماه ) أي مسمى ذلك اللفظ ( ك ) إطلاق ( عام على غير لفظ عام ) كعشرة ومسلمين للعهد ، قال ابن قاضي الجبل : ويطلق التخصيص على قصر اللفظ على بعض مسماه ، وإن لم يكن عاما بالاصطلاح كإطلاق العشرة على بعض آحادها . وكذلك يطلق على اللفظ عام ، وإن لم يكن عاما لتعدده ، كعشرة والمسلمين المعهودين ، لا المسلمين مطلقا . وإلا كان عاما اصطلاحا ( ويجوز ) التخصيص ( مطلقا ) عند الأئمة الأربعة والأكثر ، أي : سواء كان العام أمرا أو نهيا أو خبرا ، خلافا لبعض الشافعية ، وبعض الأصوليين في الخبر . وعن بعضهم وفي الأمر . واستدل للأول الذي هو الصحيح بأن التخصيص استعمل في الكتاب والسنة ، قال المخالف : يوهم في الخبر الكذب ، وفي الأمر البداء ، ردا بالمنع . ويرد ذلك كله ورود ما هو مخصوص قطعا ، نحو قوله تعالى { الله خالق كل شيء } { تدمر كل شيء بأمر ربها } { يجبى إليه ثمرات كل شيء } { وأوتيت من كل شيء } { وآتيناه من كل شيء سببا } وفي الأمر { اقتلوا المشركين } وفي النهي { لا تقربوهن حتى يطهرن } مع أن بعض القربان غير منهي عنه قطعا . بل قالوا : لا عام إلا وطرقه التخصيص إلا مواضع يسيرة ويجوز التخصيص ( ولو لعام مؤكد ) إذ تأكيده لا يمنع تخصيصه على أصح قولي العلماء ، بدليل قوله تعالى { فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس } إذا قدر متصلا . وفي [ ص: 389 ] الحديث { فأحرموا كلهم إلا أبا قتادة } ويجوز التخصيص مطلقا ( إلى أن يبقى واحد ) فقط من أفراد العام . قاله أكثر أصحابنا وغيرهم . ومنع المجد وغيره من أصحابنا ، وأبو بكر الرازي : من أقل الجمع ، والقفال وغيره : إن كان لفظه جمعا ، والقاضي وولد المجد وجمع : لا بد أن يبقى كثرة وإن لم تقدر ، وابن حمدان وطائفة كثيرة : تقرب من مدلول اللفظ . وجوزه ابن الحاجب باستثناء وبدل إلى واحد ، وبمتصل وصفة ، ومنفصل في محصور قليل إلى اثنين ، وغير المحصور والعدد الكثير ، كالمجد . وما في المتن هو الصحيح من مذهب الإمام أحمد رحمه الله وأصحابه . قال ابن مفلح : يجوز تخصيص العام إلى أن يبقى واحد عند أصحابنا .

قال الحلواني : هو قول جماعة . وكذا قال ابن قاضي الجبل . قال ابن برهان : هو المذهب المنصوص . قال القاضي عبد الوهاب : هو قول مالك والجمهور . وحكى الجويني إجماع أهل السنة على ذلك في " من " و " ما " ونحوهما . واختاره أبو إسحاق الشيرازي . وحكاه أبو المعالي في التلخيص وغيره عن معظم أصحاب الشافعي . واستدل للقول الصحيح بأنه لو امتنع التخصيص المذكور لكان الامتناع : إما لأنه مجاز ، أو لاستعماله في غير موضعه . واعترض على ذلك بأن المنع لعدم استعماله فيه لغة ، وجوابه بالمنع . ثم لا فرق . وأيضا : أكرم الناس إلا الجهال ، واعترض عليه بأنه خص بالاستثناء . وجوابه المعروف التسوية ، ثم لا فرق . واستدل بقوله تعالى { الذين قال لهم الناس } وأريد به نعيم بن مسعود رد

ليس بعام ، لأنه المعهود . واستدل بقوله تعالى { وإنا له لحافظون } أجيب : أطلق الجمع عليه للتعظيم . ومحل النزاع في الإخراج منه . واستدل بجواز قوله : أكلت الخبز وشربت الماء ، لأقل شيء منهما رد ، المراد بعض مطابق لمعهود ذهني ، القائل بأقل الجمع ما سيق فيه رد ليس الجمع بعام ليطلق العام على ما يطلق عليه .

( ولا تخصيص إلا فيما له شمول حسا . ) نحو جاءني القوم ( أو حكما ) نحو اشتريت العبد . قال العسقلاني : لا يستقيم التخصيص إلا بما فيه معنى الشمول ، ويصح توكيده بكل ، ليكون ذا أجزاء يصح اقترانهما إما حسا ك { اقتلوا المشركين } [ ص: 390 ] أو حكما . كاشتريت الجارية كلها ، لإمكان افتراق أجزائها . . قال ابن عقيل : التخصيص والنسخ في الحقيقة إنما يتناول أفعالنا الواقعة في الأزمان والأعيان فقط . والفقهاء والمتكلمون تكلمون أكثروا القول بأن النسخ يتناول الأزمان فقط ، والتخصيص يتناول الجميع . وإنما يستعمله المحصلون تجوزا ( والمخصص ) هو ( المخرج ، وهو إرادة المتكلم ) الإخراج .

التالي السابق


الخدمات العلمية