الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 101 ] ثم دخلت سنة عشر وسبعمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      استهلت وخليفة الوقت المستكفي بالله أبو الربيع سليمان العباسي ، وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون ، والشيخ تقي الدين ابن تيمية مقيم بمصر معظما مكرما ، والنائب بمصر الأمير سيف الدين بكتمر أمير جاندار ، وقضاته هم المذكورون في التي قبلها ، سوى الحنبلي ، فإنه سعد الدين الحارثي ، والوزير بمصر فخر الدين بن الخليلي ، وناظر الجيوش فخر الدين كاتب المماليك ، ونائب الشام قراسنقر المنصوري ، وقضاة دمشق هم هم ، ونائب حلب قبجق ، ونائب طرابلس الحاج بهادر ، والأفرم بصرخد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي المحرم منها باشر الشيخ أمين الدين سالم بن أبي الدر ، - وكيل بيت المال ، إمام مسجد ابن هشام - تدريس الشامية الجوانية ، والشيخ صدر الدين سليمان بن موسى الكردي تدريس العذراوية ، كلاهما انتزعها من ابن [ ص: 102 ] الوكيل بسبب إقامته بمصر ، وكان قد وفد إلى المظفر ، فأكرمه ورتب له رواتب لانتمائه إلى نصر المنبجي ، ثم عاد بتوقيع سلطاني بمدرستيه ، فأقام بهما شهرا أو سبعة ، ثم استعاداهما منه ورجعتا إلى المدرسين الأولين الأمين سالم ، والصدر الكردي ، ورجع الخطيب جلال الدين إلى الخطابة في سابع عشر المحرم ، وعزل عنها البدر بن الحداد ، وباشر الصاحب شمس الدين نظر الجامع ، والأسرى ، والأوقاف قاطبة يوم الاثنين ، وخلع عليه ، ثم أضيف إليه شرف الدين بن صصرى في نظر الجامع ، وكان ناظره مستقلا به قبلهما . وفي يوم عاشوراء قدم أسندمر إلى دمشق متوليا نيابة حماة ، وسافر إليها بعد سبعة أيام .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي المحرم باشر بدر الدين بن الحداد نظر المارستان ، عوضا عن شمس الدين بن الحظيري ، ووقعت منازعة بين الشيخ صدر الدين بن الوكيل وبين الصدر سليمان الكردي بسبب العذراوية ، وكتبوا في ابن الوكيل محضرا يتضمن من القبائح ، والفضائح ، والكفريات على ابن الوكيل ، فبادر ابن الوكيل إلى القاضي تقي الدين سليمان الحنبلي ، فحكم بإسلامه ، وحقن دمه ، وإسقاط التعزير عنه ، والحكم بعدالته واستحقاقه للمناصب ، وأشهد عليه بذلك في شهر المحرم المذكور ، ولكن خرجت عنه المدرستان العذراوية لسليمان [ ص: 103 ] الكردي ، والشامية الجوانية للأمين سالم ، ولم يبق معه سوى دار الحديث الأشرفية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ليلة الاثنين السابع من صفر وصل النجم محمد بن عثمان البصراوي من مصر متوليا الوزارة بالشام ، ومعه توقيع بالحسبة لأخيه فخر الدين سليمان ، فباشرا المنصبين المذكورين بالخلع ، ونزلا بدرب سقون الذي يقال له : درب ابن أبي الهيجاء . ثم انتقل الوزير إلى دار الأعسر عند باب البريد ، واستمر نظر الخزانة لعز الدين أحمد بن القلانسي أخي الشيخ جلال الدين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي مستهل ربيع الأول باشر القاضي جمال الدين الزرعي قضاء القضاة بمصر ، عوضا عن بدر الدين بن جماعة ، وكان قد أخذ منه قبل ذلك مشيخة الشيوخ في ذي الحجة ، وأعيدت إلى الكريم الآملي ، وأخذت منه الخطابة أيضا ، وجاء البريد إلى الشام بطلب القاضي شمس الدين بن الحريري لقضاء الديار المصرية ، فسار في العشرين من ربيع الأول ، وخرج معه جماعة لتوديعه ، فلما قدم على السلطان أكرمه ، وعظمه ، وولاه قضاء الحنفية ، وتدريس الناصرية والصالحية ، وجامع الحاكم ، وعزل عن ذلك القاضي شمس الدين السروجي ، فمكث أياما ثم مات . وفي منتصف هذا الشهر مسك من دمشق [ ص: 104 ] سبعة أمراء ، ومن القاهرة أربعة عشر أميرا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ربيع الآخر اهتم السلطان بطلب الأمير سيف الدين سلار ، فحضر هو بنفسه إليه ، فعاتبه ، ثم استخلصت منه أمواله وحواصله في مدة شهر ، ثم قتل بعد ذلك ، فوجد معه من الأموال ، والحيوان ، والأملاك ، والأسلحة ، والمماليك ، والجمال ، والبغال ، والحمير أيضا ، والرباع شيء كثير ، وأما الجواهر ، والذهب ، والفضة ، فشيء لا يحد ولا يوصف من كثرته ، وحاصل الأمر أنه قد استأثر لنفسه طائفة كبيرة من بيت المال وأموال المسلمين تجري إليه ، ويقال : إنه كان مع هذا كثير العطاء كريما ، محببا إلى الدولة والرعية ، والله أعلم . وقد باشر نيابة السلطنة بمصر من سنة ثمان وتسعين إلى أن قتل يوم الأربعاء رابع عشرين هذا الشهر ، ودفن بتربته ليلة الخميس بالقرافة ، سامحه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ربيع الآخر درس القاضي شمس الدين بن العز الحنفي بالظاهرية ، عوضا عن شمس الدين بن الحريري ، وحضر عنده خاله الصدر علي ، - قاضي قضاة الحنفية - وبقية القضاة والأعيان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذا الشهر كان الأمير سيف الدين أسندمر قد قدم دمشق لبعض أشغاله ، وكان له حنو على الشيخ صدر الدين بن الوكيل ، فاستنجز له مرسوما بنظر دار الحديث وتدريس العذراوية ، فلم يباشر ذلك حتى سافر أسندمر ، فاتفق له بعد يومين أنه وقعت كائنة بدار ابن درباس بالصالحية ، من الحنابلة وغيرهم ، وذكروا أنه وجد شيء من المنكر وغير ذلك ، فاجتمع عليه جماعة من الحنابلة [ ص: 105 ] وغيرهم ، وبلغ ذلك نائب السلطنة ، فكاتب فيه ، فورد الجواب بعزله عن المناصب الدينية ، فخرجت عنه دار الحديث الأشرفية ، وبقي بدمشق وليس بيده وظيفة ، فلما كان في آخر رمضان سافر إلى حلب ، فقرر له نائبها أسندمر شيئا على الجامع ، ثم ولاه تدريسا هناك ، وأحسن إليه ، وكان الأمير أسندمر قد انتقل إلى نيابة حلب في جمادى الآخرة ، عوضا عن سيف الدين قبجق ، توفي ، وباشر مملكة حماة بعده الأمير عماد الدين إسماعيل بن الأفضل علي بن محمود بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب ، وانتقل جمال الدين آقوش الأفرم من صرخد إلى نيابة طرابلس عوضا عن الحاج بهادر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الخميس سادس عشر شعبان باشر الشيخ كمال الدين بن الزملكاني مشيخة دار الحديث الأشرفية ، عوضا عن ابن الوكيل ، وأخذ في التفسر ، والحديث ، والفقه ، فذكر من ذلك دروسا حسنة ، ثم لم يستمر بها سوى خمسة عشر يوما حتى انتزعها منه كمال الدين بن الشريشي ، فباشرها يوم الأحد ثالث شهر رمضان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي شعبان رسم قراسنقر نائب الشام بتوسعة المقصورة ، فأخرت سدة المؤذنين إلى الركنين المؤخرين تحت قبة النسر ، ومنعت الجنائز من دخول الجامع أياما ، ثم أذن في دخولهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي خامس رمضان قدم فخر الدين أياس الذي كان نائبا بقلعة الروم إلى دمشق شاد الدواوين ، عوضا عن زين الدين كتبغا المنصوري ، [ ص: 106 ] وولي بعده وزارة مصر الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب عوضا عن فخر الدين بن الخليلي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وخرج الركب الشامي في شوال وأميرهم الأمير زين الدين كتبغا المنصوري الذي كان شاد الدواوين . وفي شوال باشر الشيخ علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي مشيخة الشيوخ بالديار المصرية عوضا عن الشيخ كريم الدين عبد الكريم بن الحسين الآملي ، توفي ، وكان له تجريد ، وله همة ، وخلع على القونوي خلعة سنية ، وحضر سعيد السعداء بها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الخميس ثالث ذي القعدة خلع على الصاحب عز الدين بن القلانسي خلعة الوزارة بالشام ، عوضا عن النجم البصراوي بحكم إقطاعه إمرة عشرة ، وإعراضه عن الوزارة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الأربعاء سادس عشر ذي القعدة عاد الشيخ كمال الدين بن الزملكاني إلى تدريس الشامية البرانية ، وفي هذا اليوم لبس تقي الدين بن الصاحب شمس الدين بن السلعوس خلعة النظر على الجامع الأموي ، ومسك الأمير سيف الدين أسندمر نائب حلب في ثاني ذي الحجة ، وحمل إلى مصر ، وكذلك مسك نائب البيرة سيف الدين طوغان بعده بليال .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية