الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 75 ] 441

ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وأربعمائة

ذكر ظهور الخلف بين قرواش وأخيه أبي كامل وصلحهما

في هذه السنة ظهر الخلف بين معتمد الدولة قرواش وبين أخيه زعيم الدولة أبي كامل ظهورا آل إلى المحاربة ، وقد تقدم سبب ذلك‏ .

فلما اشتد الأمر وفسد الحال فسادا لا يمكن إصلاحه - جمع كل منهما جمعا لمحاربة صاحبه ، وسار قرواش في المحرم وعبر دجلة بنواحي بلد ، وجاءه سليمان بن نصر الدولة بن مروان ، وأبو الحسن بن عيسكان الحميدي ، وغيرهما من الأكراد ، وساروا إلى معلثايا فأخربوا المدينة ونهبوها ، ونزلوا بالمغيثة ، وجاء أبو كامل فيمن معه من العرب وآل المسيب ، فنزلوا بمرج بابنيثا ، وبين الطائفتين نحو فرسخ ، واقتتلوا يوم السبت ثاني عشر المحرم ، وافترقوا من غير ظفر ، ثم اقتتلوا يوم الأحد كذلك ، ولم يلابس الحرب سليمان بن مروان ، بل كان ناحية ، ووافقه أبو الحسن الحميدي ، وساروا عن قرواش ، وفارقه جمع من العرب ، وقصدوا أخاه ، فضعف أمر قرواش ، وبقي في حلته وليس معه إلا نفر يسير ، فركبت العرب من أصحاب أبي كامل لقصده ، فمنعهم ، وأسفر الصبح يوم الاثنين وقد تسرع بعضهم ونهب بعضا من عرب قرواش ، وجاء أبو كامل إلى قرواش واجتمع به ، ونقله إلى حلته ، وأحسن عشرته ، ثم أنفذه إلى الموصل محجورا عليه ، وجعل معه بعض زوجاته في دار .

وكان مما فت في عضد قرواش وأضعف نفسه أنه كان قد قبض على قوم من الصيادين بالأنبار لسوء طريقهم وفسادهم ، فهرب الباقون منهم ، وبقي بعضهم [ ص: 76 ] بالسندية ، فلما كان الآن سار جماعة منهم إلى الأنبار ، وتسلقوا السور ليلة خامس المحرم من هذه السنة ، وقتلوا حارسا ، وفتحوا الباب ونادوا بشعار أبي كامل ، فانضاف إليهم أهلوهم وأصدقاؤهم ومن له هوى في أبي كامل ، فكثروا ، وثار بهم أصحاب قرواش فاقتتلوا ، فظفروا وقتلوا من أصحاب معتمد الدولة قرواش جماعة ، وهرب الباقون ، فبلغه خبر استيلاء أخيه ، ولم يبلغه عود أصحابه‏ .

ثم إن المسيب وأمراء العرب كلفوا أبا كامل ما يعجز عنه ، واشتطوا عليه ، فخاف أن يؤول الأمر بهم إلى طاعة قرواش وإعادته إلى مملكته ، فبادرهم إليه وقبل يده وقال له‏ : ‏ إنني وإن كنت أخاك فإنني عبدك ، وما جرى هذا إلا بسبب من أفسد رأيك في ، وأشعرك الوحشة مني ، والآن فأنت الأمير ، وأنا الطائع لأمرك والتابع لك . فقا له قرواش‏ : ‏ بل أنت الأخ ، والأمر لك مسلم ، وأنت أقوم به مني‏ . ‏ وصلح الحال بينهما ، وعاد قرواش إلى التصرف على حكم اختياره‏ . وكان أبو كامل قد أقطع بلال بن غريب بن مقن حربى وأوانا ، فلما اصطلح أبو كامل وقرواش أرسلا إلى حربى من منع بلالا عنها ، فتظاهر بلال ( بالخلاف عليهما ) وجمع إلى نفسه جمعا وقاتل أصحاب قرواش ، وأخذ حربى وأوانا بغير اختيارهما ، فانحدر قرواش من الموصل إليهما وحصرهما وأخذهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية