الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب من وقع على ذات محرم أو عمل عمل قوم لوط أو أتى بهيمة [ ص: 138 ] عن البراء بن عازب قال { : لقيت خالي ومعه الراية ، فقلت : أين تريد ؟ قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله } . رواه الخمسة ولم يذكر ابن ماجه والترمذي أخذ المال ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث حسنه الترمذي وأخرجه أبو داود عن البراء أيضا بلفظ : { بينما أطوف على إبل لي ضلت إذ أقبل ركب أو فوارس معهم لواء فجعل الأعراب يطيفون بي لمنزلتي من النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتوا قبة فاستخرجوا منها رجلا فضربوا عنقه ، فسألت عنه فذكروا أنه أعرس بامرأة أبيه } قال المنذري : وقد اختلف في هذا اختلافا كثيرا فروي عن البراء وروي عنه عن عمه ، وروي عنه قال : مر بي خالي أبو بردة بن نيار ومعه لواء ، وهذا لفظ الترمذي .

                                                                                                                                            وروي عنه عن خاله وسماه هشيم في حديثه الحارث بن عمرو ، وهذا لفظ ابن ماجه .

                                                                                                                                            وروي عنه قال : " مر بنا أناس ينطلقون " وروي عنه : " إني لأطوف على إبل ضلت في تلك الأحياء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءهم رهط معهم لواء " وهذا لفظ النسائي . وللحديث أسانيد كثيرة منها ما رجاله رجال الصحيح

                                                                                                                                            والحديث فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن يأمر بقتل من خالف قطعيا من قطعيات الشريعة كهذه المسألة ، فإن الله تعالى يقول : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } ولكنه لا بد من حمل الحديث على أن ذلك الرجل الذي أمر صلى الله عليه وسلم بقتله عالم بالتحريم وفعله مستحلا وذلك من موجبات الكفر ، والمرتد يقتل للأدلة الآتية .

                                                                                                                                            وفيه أيضا متمسك لقول مالك إنه يجوز التعزير بالقتل .

                                                                                                                                            وفيه دليل أيضا على أنه يجوز أخذ مال من ارتكب معصية مستحلا لها بعد إراقة دمه . وقد قدمنا في كتاب الزكاة الكلام على التأديب بالمال .

                                                                                                                                            3131 - ( وعن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به } . رواه الخمسة إلا النسائي ) .

                                                                                                                                            3132 - ( وعن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس في البكر يوجد على اللوطية [ ص: 139 ] يرجم . رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            الحديث الذي من طريق عكرمة أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي . وقال الحافظ : رجاله موثقون إلا أن فيه اختلافا .

                                                                                                                                            وقال الترمذي : إنما يعرف هذا الحديث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الوجه . وروى محمد بن إسحاق هذا الحديث عن عمرو بن أبي عمرو فقال : " ملعون من عمل عمل قوم لوط " ولم يذكر القتل انتهى . وقال يحيى بن معين : عمرو بن أبي عمرو مولى يعلى ثقة ينكر عليه حديث عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : اقتلوا الفاعل والمفعول به } . ويجاب عن ذلك بأنه قد احتج الشيخان به ، وروى عنه مالك في الموطإ ، وقد استنكر النسائي هذا الحديث .

                                                                                                                                            والأثر المروي عن ابن عباس من طريق سعيد بن جبير ومجاهد أخرجه أيضا النسائي والبيهقي ، وفي الباب عن أبي هريرة عند ابن ماجه والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { اقتلوا الفاعل والمفعول به أحصنا أو لم يحصنا } وإسناده ضعيف قال ابن الطلاع في أحكامه : لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم في اللواط ولا أنه حكم فيه . وثبت عنه أنه قال : { اقتلوا الفاعل والمفعول به } رواه عنه ابن عباس وأبو هريرة انتهى . قال الحافظ : وحديث أبي هريرة لا يصح . وقد أخرجه البزار من طريق عاصم بن عمر العمري عن سهيل عن أبيه عنه وعاصم متروك .

                                                                                                                                            وقد رواه ابن ماجه من طريقه بلفظ : " فارجموا الأعلى والأسفل " .

                                                                                                                                            وأخرج البيهقي من حديث أبي موسى أنه صلى الله عليه وسلم قال : { إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان } وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن ، كذبه أبو حاتم ، وقال البيهقي : لا أعرفه والحديث منكر بهذا الإسناد انتهى . ورواه أبو الفتح الأزدي في الضعفاء والطبراني في الكبير من وجه آخر عن أبي موسى وفيه بشر بن المفضل البجلي وهو مجهول . وقد أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه .

                                                                                                                                            وأخرج البيهقي عن علي عليه السلام أنه رجم لوطيا .

                                                                                                                                            قال الشافعي : وبهذا نأخذ : يرجم اللوطي محصنا كان أو غير محصن .

                                                                                                                                            وأخرج البيهقي أيضا عن أبي بكر : أنه جمع الناس في حق رجل ينكح كما ينكح النساء ، فسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فكان من أشدهم يومئذ قولا علي بن أبي طالب عليه السلام قال : هذا ذنب لم تعص به أمة من الأمم إلا أمة واحدة صنع الله بها ما قد علمتم ، نرى أن نحرقه بالنار ، فاجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يحرقه بالنار فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد يأمره أن يحرقه بالنار .

                                                                                                                                            وفي إسناده إرسال .

                                                                                                                                            وروي من وجه آخر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي في غير هذه القصة قال : يرجم ويحرق بالنار . وأخرج البيهقي أيضا عن ابن عباس أنه سئل عن حد اللوطي فقال : ينظر أعلى بناء في القرية فيرمى به منكسا ثم يتبع الحجارة . [ ص: 140 ] وقد اختلف أهل العلم في عقوبة الفاعل للواط والمفعول به بعد اتفاقهم على تحريمه وأنه من الكبائر للأحاديث المتواترة في تحريمه ولعن فاعله فذهب من تقدم ذكره من الصحابة إلى أن حده القتل ولو كان بكرا سواء كان فاعلا أو مفعولا ، وإليه ذهب الشافعي والناصر والقاسم بن إبراهيم .

                                                                                                                                            واستدلوا بما ذكره المصنف وذكرناه في هذا الباب وهو بمجموعه ينتهض للاحتجاج به .

                                                                                                                                            وقد اختلفوا في كيفية قتل اللوطي فروي عن علي أنه يقتل بالسيف ثم يحرق لعظم المعصية وإلى ذلك ذهب أبو بكر كما تقدم عنه . وذهب عمر وعثمان إلى أنه يلقى عليه حائط ، وذهب ابن عباس إلى أنه يلقى من أعلى بناء في البلد . وقد حكى صاحب الشفاء إجماع الصحابة على القتل . وقد حكى البغوي عن الشعبي والزهري ومالك وأحمد وإسحاق أنه يرجم . وحكى ذلك الترمذي عن مالك والشافعي وأحمد وإسحاق ، وروي عن النخعي أنه قال : لو كان يستقيم أن يرجم الزاني مرتين لرجم اللوطي ، وقال المنذري : حرق اللوطية بالنار أبو بكر وعلي وعبد الله بن الزبير وهشام بن عبد الملك .

                                                                                                                                            وذهب سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والحسن وقتادة والنخعي والثوري والأوزاعي وأبو طالب والإمام يحيى والشافعي في قول له إلى أن حد اللوطي حد الزاني فيجلد البكر ويغرب ويرجم المحصن . وحكاه في البحر عن القاسم بن إبراهيم ، وروى عنه المؤيد بالله القتل مطلقا كما سلف . واحتجوا بأن التلوط نوع من أنواع الزنا ; لأنه إيلاج فرج في فرج فيكون اللائط والملوط به داخلين تحت عموم الأدلة الواردة في الزاني المحصن والبكر . وقد تقدمت ويؤيد ذلك حديث " إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان " وقد تقدم . وعلى فرض عدم شمول الأدلة المذكورة لهما فهما لاحقان بالزاني بالقياس . ويجاب عن ذلك بأن الأدلة الواردة بقتل الفاعل والمفعول به مطلقا مخصصة لعموم أدلة الزنا الفارقة بين البكر والثيب على فرض شمولها للوطي ومبطلة للقياس المذكور على فرض عدم الشمول ; لأنه يصير فاسد الاعتبار كما تقرر في الأصول ، وما أحق مرتكب هذه الجريمة ومقارف هذه الرذيلة الذميمة بأن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين ويعذب تعذيبا يكسر شهوة الفسقة المتمردين ، فحقيق بمن أتى بفاحشة قوم ما سبقهم بها من أحد من العالمين أن يصلى من العقوبة بما يكون في الشدة والشناعة مشابها لعقوبتهم .

                                                                                                                                            وقد خسف الله تعالى بهم واستأصل بذلك العذاب بكرهم وثيبهم . وذهب أبو حنيفة والشافعي في قول له والمرتضى والمؤيد بالله إلى أنه يعزر اللوطي فقط ، ولا يخفى ما في هذا المذهب من المخالفة للأدلة المذكورة في خصوص اللوطي والأدلة الواردة في الزاني على العموم . وإنما الاستدلال لهذا بحديث { لأن أخطئ في العفو خير من أن أخطئ في العقوبة } فمردود بأن ذلك إنما هو مع الالتباس والنزاع ليس هو في ذلك . [ ص: 141 ]

                                                                                                                                            3133 - ( وعن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة } . رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال : لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن أبي عمرو . وروى الترمذي وأبو داود من حديث عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس أنه قال : من أتى بهيمة فلا حد عليه . وذكر أنه أصح ) . الحديث الذي رواه عكرمة أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه قال الترمذي : هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقد رواه سفيان الثوري عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس أنه قال : " من أتى بهيمة فلا حد عليه " حدثنا بذلك محمد بن بشار ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان ، وهذا أصح من الحديث الأول . والعمل على هذا عند أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق انتهى .

                                                                                                                                            وقد روى هذا الحديث ابن ماجه في سننه من حديث إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : من وقع على ذات محرم فاقتلوه ، ومن وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة } وإبراهيم المذكور قد وثقه أحمد . وقال البخاري : منكر الحديث ، وضعفه غير واحد من الحفاظ ، وأخرجه أبو يعلى الموصلي من " حديث عبد الغفار بن عبد الله بن الزبير عن علي بن مسهر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعا ، وذكر ابن عدي عن أبي يعلى أنه قال : بلغنا أن عبد الغفار رجع عنه ، وذكر ابن عدي أنهم كانوا لقنوه . وأخرج هذا الحديث البيهقي بلفظ : " ملعون من وقع على بهيمة وقال : اقتلوه واقتلوها لا يقال هذه التي فعل بها كذا وكذا " ومال البيهقي إلى تصحيحه . ورواه أيضا من طريق عباد بن منصور عن عكرمة . ورواه عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد عن داود بن الحصين عن عكرمة ، وإبراهيم ضعيف ، وإن كان الشافعي يقوي أمره ، إذا عرفت هذا تبين لك أنه لم يتفرد برواية الحديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة كما قال الترمذي ، بل رواه عن عكرمة جماعة كما بينا . وقد قال البيهقي : رويناه عن عكرمة من أوجه مع أن تفرد عمرو بن أبي عمرو لا يقدح في الحديث فقد قدمنا أنه احتج به الشيخان ووثقه يحيى بن معين . وقال البخاري : عمرو صدوق ولكنه روى عن عكرمة مناكير .

                                                                                                                                            والأثر الذي رواه أبو رزين عن ابن عباس أخرجه أيضا النسائي ، ولا حكم لرأي ابن عباس إذا انفرد ، فكيف إذا عارض المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريقه ؟ .



                                                                                                                                            . [ ص: 142 ] وقد اختلف أهل العلم فيمن وقع على بهيمة ، فأخرج البيهقي عن جابر بن زيد أنه قال : من أتى البهيمة أقيم عليه الحد . وأخرج أيضا عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه قال : إن كان محصنا رجم وروي أيضا عن الحسن البصري أنه قال : هو بمنزلة الزاني ، قال الحاكم : أرى أن يجلد ولا يبلغ به الحد ، وهو مجمع على تحريم إتيان البهيمة ، كما حكى ذلك صاحب البحر .

                                                                                                                                            وقد ذهب إلى أنه يوجب الحد كالزنا الشافعي في قول له والهادوية وأبو يوسف ، وذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي في قول له والمرتضى والمؤيد بالله والناصر والإمام يحيى إلى أنه يوجب التعزير فقط إذ ليس بزنا . ورد بأنه فرج محرم شرعا مشتهى طبعا فأوجب الحد كالقبل . وذهب الشافعي في قول له إلى أنه يقتل أخذا بحديث الباب ، وفي الحديث دليل على أنها تقتل البهيمة ; والعلة في ذلك ما روى أبو داود والنسائي أنه قيل لابن عباس : ما شأن البهيمة ؟ قال : ما أراه قال ذلك إلا أنه يكره أن يؤكل لحمها . وقد عمل بها ذلك العمل . وقد تقدم أن العلة أن يقال : هذه التي فعل بها كذا وكذا . وقد ذهب إلى تحريم لحم البهيمة المفعول بها وإلى أنها تذبح علي عليه السلام والشافعي في قول له ، وذهبت القاسمية والشافعي في قول له وأبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه يكره أكلها تنزيها فقط . قال في البحر : إنها تذبح البهيمة ولو كانت غير مأكولة لئلا تأتي بولد مشوه ، كما روى أن راعيا أتى بهيمة فأتت بولد مشوه انتهى ، وأما حديث " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذبح الحيوان إلا لأكله فهو عموم مخصص لحديث الباب .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية