الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب صفة سوط الجلد وكيف يجلد من به مرض لا يرجى برؤه [ ص: 136 ] عن زيد بن أسلم { أن رجلا اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط فأتي بسوط مكسور ، فقال : فوق هذا ، فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته ، فقال : بين هذين ، فأتي بسوط قد لان وركب به فأمر به فجلد } . رواه مالك في الموطإ عنه ) .

                                                                                                                                            3129 - ( وعن أبي أمامة بن سهل عن سعيد بن سعد بن عبادة قال { : كان بين أبياتنا رويجل ضعيف مخدج فلم يرع الحي إلا وهو على أمة من إمائهم يخبث بها ، فذكر ذلك سعد بن عبادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان ذلك الرجل مسلما فقال : اضربوه حده قالوا : يا رسول الله إنه أضعف مما تحسب ، لو ضربناه مائة قتلناه ، فقال : خذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ ، ثم اضربوه به ضربة واحدة ، قال : ففعلوا } . رواه أحمد وابن ماجه ، ولأبي داود معناه من رواية أبي أمامة بن سهل عن بعض الصحابة من الأنصار ، وفيه ولو حملناه إليك لتفسخت عظامه ما هو إلا جلد على عظم ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث زيد بن أسلم هو مرسل وله شاهد عند عبد الرزاق عن معمر بن يحيى بن أبي كثير نحوه ، وآخر عند ابن وهب من طريق كريب مولى ابن عباس ، فهذه المراسيل الثلاثة يشد بعضها بعضا .

                                                                                                                                            وحديث أبي أمامة أخرجه أيضا الشافعي والبيهقي وقال : هذا هو المحفوظ عن أبي أمامة مرسلا . ورواه الدارقطني عن فليح عن أبي سالم عن سهل بن سعد وقال : وهم فليح ، والصواب عن أبي حازم عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه . ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة بن سهل عن أبي سعيد الخدري وقال : إن كانت الطرق كلها محفوظة فيكون أبو أمامة قد حمله عن جماعة من الصحابة وأرسله أخرى . ورواه أبو داود من حديث الزهري عن أبي أمامة عن رجل من الأنصار ، ولفظه : " أنه اشتكى رجل منهم حتى أضنى فعاد جلدة على عظم فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها فوقع عليها فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك وقال : استفتوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني قد وقعت على جارية دخلت علي ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 137 ] وقالوا : ما رأينا بأحد من الناس من الشر مثل الذي هو به لو حملناه إليك لتفسخت عظامه ما هو إلا جلد على عظم ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه به ضربة واحدة " وأخرجه النسائي من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه باللفظ الذي ذكره أبو داود وفي إسناده عبد الأعلى بن عامر الثعلبي ، قال المنذري : لا يحتج به وهو كوفي ، وقال في التقريب : صدوق يهم من السادسة . وقال الحافظ في بلوغ المرام : إن إسناد هذا الحديث حسن ولكنه اختلف في وصله وإرساله . قوله : ( لم تقطع ثمرته ) أي : عذبته وهي طرفه . قوله : ( وركب به ) بضم الراء وكسر الكاف على صيغة المجهول أي ركب به الراكب على الدابة وضربها به حتى لان . قوله : ( رويجل ) تصغير رجل للتحقير . قوله : ( مخدج ) بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة بعدها جيم وهو السقيم الناقص الخلق وفي رواية مقعد . قوله : ( يخبث بها ) بفتح أوله وسكون الخاء المعجمة وضم الموحدة وآخره مثلثة : أي يزني بها . قوله

                                                                                                                                            ( عثكالا ) بكسر المهملة وسكون المثلثة ، قال في القاموس : كقرطاس : العذق والشمراخ ، ويقال عثكول وعثكولة بضم العين انتهى . وجاء في رواية " إثكال " وفي أخرى " أثكول " وهما لغتان في العثكال هو الذي يكون فيه البسر . والشمراخ بكسر الشين المعجمة وسكون الميم وآخره خاء معجمة وهو غصن دقيق . وقال في القاموس : الشمراخ بالكسر : العثكال عليه بسر أو عنب كالشمروخ انتهى . والمراد ههنا بالعثكال : العنقود من النخل الذي يكون فيه أغصان كثيرة ، وكل واحد من هذه الأغصان يسمى شمراخا . وحديث زيد بن أسلم فيه دليل على أنه ينبغي أن يكون السوط الذي يجلد به الزاني متوسطا بين الجديد والعتيق وهكذا إذا كان الجلد بعود ينبغي أن يكون متوسطا بين الكبير والصغير فلا يكون من الخشب التي تكسر العظم وتجرح اللحم ، ولا من الأعواد الرقيقة التي لا تؤثر في الألم وينبغي أن يكون متوسطا بين الجديد والعتيق .

                                                                                                                                            وقال في البحر : وقدر عرضه بأصبع وطوله بذراع . وحديث أبي أمامة فيه دليل على أن المريض إذا لم يحتمل الجلد ضرب بعثكول أو ما يشابهه مما يحتمله ، ويشترط أن تباشره جميع الشماريخ . وقد قيل يكفي الاعتماد ، وهذا العمل من الحيل الجائزة شرعا . وقد جوز الله مثله في قوله : { وخذ بيدك ضغثا } الآية .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية