الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما يذكر في الرجوع عن الإقرار 3110 - ( عن أبي هريرة قال { : جاء ماعز الأسلمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه قد زنى ، فأعرض عنه ، ثم جاءه من شقه الآخر فقال : إنه قد زنى ، فأعرض عنه ، ثم جاءه من شقه الآخر فقال : يا رسول الله إنه قد زنى ، فأمر به في الرابعة ، فأخرج إلى الحرة فرجم بالحجارة ، فلما وجد مس الحجارة فر يشتد حتى مر برجل معه لحي جمل فضربه به وضربه الناس حتى مات ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فر حين وجد مس الحجارة ومس الموت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هلا تركتموه } . رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال : حسن ) . [ ص: 122 ]

                                                                                                                                            3111 - ( وعن جابر في قصة ماعز قال { : كنت فيمن رجم الرجل ، إنا لما خرجنا به فرجمناه فوجد مس الحجارة صرخ بنا : يا قوم ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي ، وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتلي ، فلم ننزع عنه حتى قتلناه فلما رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه قال : فهلا تركتموه وجئتموني به ليستثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، فأما ترك حد فلا } . رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث الأول قال الترمذي بعد أن قال إنه حديث حسن وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة انتهى . ورجال إسناده ثقات ، فإن الترمذي رواه من حديث عبدة بن سليمان عن محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة . والحديث الثاني أخرجه أيضا النسائي وأشار إليه الترمذي وفي إسناده محمد بن إسحاق ، وفيه خلاف قد تقدم الكلام عليه .

                                                                                                                                            وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر طرفا منه ، ولفظ أبي داود قال : ذكرت لعاصم بن عمر بن قتادة قصة ماعز بن مالك فقال لي : حدثني حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : حدثني ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفلا تركتموه من شئتم من رجال أسلم ممن لا أتهم " قال : ولا أعرف الحديث قال : فجئت جابر بن عبد الله فقلت : إن رجالا من أسلم يحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم حين ذكروا له جزع ماعز من الحجارة حين أصابته " ألا تركتموه " وما أعرف الحديث قال : يا ابن أخي : أنا أعلم الناس بهذا الحديث فذكره

                                                                                                                                            وفي الباب عن نعيم بن هزال عن أبيه عند أبي داود وفيه : { فلما رجم وجد مس الحجارة فخرج يشتد ، فلقيه عبد الله بن أنيس وقد عجز أصحابه فنزع له بوظيف بعير فقتله ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه } . قوله : ( فلما وجد مس الحجارة فر يشتد حتى مر برجل معه لحي جمل . . . إلخ ) ظاهر هذه الرواية ورواية نعيم بن هزال أنه وقع منه الفرار حتى ضربه الرجل الذي معه لحي الجمل

                                                                                                                                            وظاهر قوله في حديث جابر المذكور : " صرخ يا قوم . . . إلخ " ، أنه لم يفر ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم والنسائي وأبي داود واللفظ له قال : { لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم ماعز بن مالك خرجنا إلى البقيع فوالله ما أوثقناه ولا حفرنا له ولكنه قام لنا ، قال أبو كاهل : فرميناه بالعظام والمدر والخزف فاشتد واشتددنا خلفه حتى أتى عرض الحرة فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة حتى سكت } فظاهر هذه الرواية أنه إنما فر لأجل ما في ذلك المحل الذي فر فيه من الأحجار التي تقتل بلا تعذيب بخلاف المحل [ ص: 123 ] الذي كان فيه ، فإنه لم يكن فيه من الأحجار ما هو كذلك ، ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأن يقال : إنه فر أولا من المكان الأول لأجل عدم الحجارة فيه إلى الحرة ، فلما وصل إليها ونصب نفسه ووجد مس الحجارة التي تفضي إلى الموت قال ذلك المقال وأمرهم أن يردوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما لم يفعلوا هرب فلقيه الرجل الذي معه لحي الجمل فضربه به فوقع ثم رجموه حتى مات

                                                                                                                                            قوله : ( هلا تركتموه ) استدل به على أنه يقبل من المقر الرجوع عن الإقرار ويسقط عنه الحد وإلى ذلك ذهب أحمد والشافعية والحنفية والعترة وهو مروي عن مالك في قول له . وذهب ابن أبي ليلى والبتي وأبو ثور ورواية عن مالك وقال للشافعي أنه لا يقبل منه الرجوع عن الإقرار بعد كماله كغيره من الإقرارات قال الأولون ويترك إذا هرب لعله يرجع قال في البحر مسألة إذا هرب المرجوم بالبينة أتبع الرجم حتى يموت لا بالإقرار لقوله صلى الله عليه وسلم في ماعز : " هلا خليتموه " ولصحة الرجوع عن الإقرار ولا ضمان إن لم يضمنهم صلى الله عليه وسلم لاحتمال كون هربه رجوعا أو غيره انتهى . وذهبت المالكية إلى أن المرجوم لا يترك إذا هرب وعن أشهب إن ذكر عذرا فقيل يترك وإلا فلا ، ونقله العتبي عن مالك

                                                                                                                                            وحكى اللخمي عنه قولين فيمن رجع إلى شبهة . قوله : ( ليستثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . إلخ ) هذا من قول جابر ، يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك لأجل الاستثبات والاستفصال ، فإن وجد شبهة يسقط بها الحد أسقطه لأجلها ، وإن لم يجد شبهة كذلك أقام عليه الحد ، وليس المراد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يدعوه ، وأن هرب المحدود من الحد من جملة المسقطات ولهذا قال : " فهلا تركتموه وجئتموني به " ؟ .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية