الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ( 12 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فإن نقض هؤلاء المشركون الذين عاهدتموهم من قريش ، عهودهم من بعد ما عاقدوكم أن لا يقاتلوكم ولا يظاهروا عليكم أحدا من أعدائكم ( وطعنوا في دينكم ) ، يقول : وقدحوا في دينكم الإسلام ، [ ص: 154 ] فثلبوه وعابوه ( فقاتلوا أئمة الكفر ) ، يقول : فقاتلوا رؤساء الكفر بالله ( إنهم لا أيمان لهم ) ، يقول : إن رؤساء الكفر لا عهد لهم ( لعلهم ينتهون ) ، لكي ينتهوا عن الطعن في دينكم والمظاهرة عليكم .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، على اختلاف بينهم في المعنيين بأئمة الكفر .

فقال بعضهم : هم أبو جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وأبو سفيان بن حرب ونظراؤهم . وكان حذيفة يقول : لم يأت أهلها بعد .

ذكر من قال : هم من سميت :

16520 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم ) ، إلى : ( لعلهم ينتهون ) ، يعني أهل العهد من المشركين ، سماهم "أئمة الكفر" ، وهم كذلك . يقول الله لنبيه : وإن نكثوا العهد الذي بينك وبينهم ، فقاتلهم ، أئمة الكفر لا أيمان لهم ( لعلهم ينتهون ) .

16521 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم ) ، إلى : ( ينتهون ) ، فكان من أئمة الكفر : أبو جهل بن هشام ، وأمية بن خلف ، وعتبة بن ربيعة ، وأبو سفيان ، وسهيل بن عمرو ، وهم الذين هموا بإخراجه .

16522 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، [ ص: 155 ] عن قتادة : ( أئمة الكفر ) ، أبو سفيان ، وأبو جهل ، وأمية بن خلف ، وسهيل بن عمرو ، وعتبة بن ربيعة .

16523 - حدثنا ابن وكيع وابن بشار قال : ابن وكيع ، حدثنا غندر وقال ابن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن مجاهد : ( فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم ) ، قال : أبو سفيان منهم .

16524 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وإن نكثوا أيمانهم ) ، إلى : ( ينتهون ) ، هؤلاء قريش . يقول : إن نكثوا عهدهم الذي عاهدوا على الإسلام ، وطعنوا فيه ، فقاتلهم .

16525 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( فقاتلوا أئمة الكفر ) ، يعني رؤوس المشركين ، أهل مكة .

16526 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( فقاتلوا أئمة الكفر ) ، أبو سفيان بن حرب ، وأمية بن خلف ، وعتبة بن ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وهم الذين نكثوا عهد الله ، وهموا بإخراج الرسول ، وليس والله كما تأوله أهل الشبهات والبدع والفرى على الله وعلى كتابه .

ذكر الرواية عن حذيفة بالذي ذكرنا عنه :

16527 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن حذيفة : ( فقاتلوا أئمة الكفر ) ، قال : ما قوتل أهل هذه الآية بعد . [ ص: 156 ]

16528 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا حبيب بن حسان ، عن زيد بن وهب قال : كنت عند حذيفة ، فقرأ هذه الآية : ( فقاتلوا أئمة الكفر ) ، فقال : ما قوتل أهل هذه الآية بعد .

16529 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا الأعمش ، عن زيد بن وهب قال : قرأ حذيفة : ( فقاتلوا أئمة الكفر ) ، قال : ما قوتل أهل هذه الآية بعد .

16530 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن صلة بن زفر : ( إنهم لا أيمان لهم ) ، لا عهد لهم .

16531 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : ( وإن نكثوا أيمانهم ) ، قال : عهدهم .

16532 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وإن نكثوا أيمانهم ) ، عهدهم الذي عاهدوا على الإسلام .

16533 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن صلة ، عن عمار بن ياسر ، في قوله : ( لا أيمان لهم ) ، قال : لا عهد لهم . [ ص: 157 ]

16534 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة في قوله : ( فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم ) ، قال : لا عهد لهم .

وأما "النكث" فإن أصله النقض ، يقال منه : "نكث فلان قوى حبله" ، إذا نقضها .

و"الأيمان" : جمع "اليمين" .

واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( إنهم لا أيمان لهم ) .

فقرأه قرأة الحجاز والعراق وغيرهم : ( إنهم لا أيمان لهم ) ، بفتح الألف من "أيمان" بمعنى : لا عهود لهم ، على ما قد ذكرنا من قول أهل التأويل فيه .

وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك : ( إنهم لا إيمان لهم ) ، بكسر الألف ، بمعنى : لا إسلام لهم .

وقد يتوجه لقراءته كذلك وجه غير هذا ، وذلك أن يكون أراد بقراءته ذلك كذلك : أنهم لا أمان لهم أي : لا تؤمنوهم ، ولكن اقتلوهم حيث وجدتموهم كأنه أراد المصدر من قول القائل : "آمنته فأنا أومنه إيمانا" .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك ، الذي لا أستجيز القراءة بغيره ، قراءة من قرأ بفتح "الألف" دون كسرها ، لإجماع الحجة من القرأة على [ ص: 158 ] القراءة به ، ورفض خلافه ، ولإجماع أهل التأويل على ما ذكرت من أن تأويله : لا عهد لهم و"الأيمان" التي هي بمعنى العهد ، لا تكون إلا بفتح "الألف" ، لأنها جمع "يمين" كانت على عقد كان بين المتوادعين .

التالي السابق


الخدمات العلمية