الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2805 ) مسألة ; قال : ( وما كان مما لا يكال ولا يوزن فجائز التفاضل فيه يدا بيد ، ولا يجوز نسيئة ) اختلفت الرواية في تحريم النساء في غير المكيل والموزون ، على أربع روايات ; إحداهن ، لا يحرم النساء في [ ص: 31 ] شيء من ذلك ، سواء بيع بجنسه أو بغيره ، متساويا أو متفاضلا ، إلا على قولنا : إن العلة الطعم . فيحرم النساء في المطعوم ، ولا يحرم في غيره .

                                                                                                                                            وهذا مذهب الشافعي . واختار القاضي هذه الرواية ; لما روى أبو داود ، عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمره أن يجهز جيشا ، فنفدت الإبل ، فأمره أن يأخذ في قلاص الصدقة ، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة } . رواه أبو داود " وروى سعيد في سننه ، عن أبي معشر ، عن صالح بن كيسان ، عن الحسن بن محمد : أن عليا باع بعيرا له يقال له : عصيفير ، بأربعة أبعرة إلى أجل . ولأنهما مالان لا يجري فيهما ربا الفضل ، فجاز النساء فيهما كالعرض بالدينار ، ولأن النساء أحد نوعي الربا ، فلم يجز في الأنواع كلها ، كالنوع الآخر . والرواية الثانية ، يحرم النساء في كل مال بيع بجنسه ، كالحيوان بالحيوان ، والثياب بالثياب ، ولا يحرم في غير ذلك .

                                                                                                                                            وهذا مذهب أبي حنيفة . وممن كره بيع الحيوان بالحيوان نساء ابن الحنفية ، وعبد الله بن عمير ، وعطاء ، وعكرمة بن خالد ، وابن سيرين ، والثوري .

                                                                                                                                            وروي ذلك عن عمار ، وابن عمر ; لما روى سمرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة . } قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، ولأن الجنس أحد وصفي علة ربا الفضل ، فحرم النساء ، كالكيل والوزن . والثالثة ، لا يحرم النساء إلا فيما بيع بجنسه متفاضلا ، فأما مع التماثل فلا ; لما روى جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الحيوان اثنان بواحد لا يصلح نساء ، ولا بأس به يدا بيد } ، قال الترمذي : هذا حديث حسن . وروى ابن عمر : { أن رجلا قال : يا رسول الله ، أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل ؟ فقال : لا بأس إذا كان يدا بيد } . من المسند .

                                                                                                                                            وهذا يدل على إباحة النساء مع التماثل بمفهومه . والرابعة ، يحرم النساء في كل مال بيع بمال آخر ، سواء كان من جنسه أو من غير جنسه . وهذا ظاهر كلام الخرقي . ويحتمل أنه أراد الرواية الثالثة ; لأنه بيع عرض بعرض ، فحرم النساء بينهما كالجنسين من أموال الربا ، قال القاضي : فعلى هذا لو باع عرضا بعرض ، ومع أحدهما دراهم ، العروض نقدا والدراهم نسيئة ، جاز ، وإن كانت الدراهم نقدا والعروض نسيئة ، لم يجز ; لأنه يفضي إلى النسيئة في العروض . وهذه الرواية ضعيفة جدا ; لأنه إثبات حكم يخالف الأصل بغير نص ولا إجماع ولا قياس صحيح ، فإن في المحل المجمع عليه أو المنصوص عليه أوصافا لها أثر في تحريم الفضل ، فلا يجوز حذفها عن درجة الاعتبار ، وما هذا سبيله لا يجوز إثبات الحكم فيه ، وإن لم يخالف أصلا ، فكيف يثبت مع مخالفة الأصل في حل البيع ، وأصح الروايات هي الأولى ; لموافقتها الأصل .

                                                                                                                                            والأحاديث المخالفة لها ، قال أبو عبد الله : ليس فيها حديث يعتمد عليه ، ويعجبني أن يتوقاه . وذكر له حديث ابن عباس وابن عمر في هذا ، فقال : هما مرسلان . وحديث سمرة يرويه الحسن عن سمرة ، قال الأثرم ، قال أبو عبد الله : لا يصح سماع الحسن من سمرة . وحديث جابر ، قال أبو عبد الله : هذا حجاج زاد فيه : " نساء " ، وليث بن سعد سمعه من أبي الزبير ، ولا يذكر فيه : " نساء " ، وحجاج هذا هو حجاج بن أرطاة ، قال يعقوب بن شيبة : هو واهي الحديث ، وهو صدوق .

                                                                                                                                            وإن كان أحد المبيعين مما لا ربا فيه ، والآخر فيه ربا كالمكيل بالمعدود ، ففيهما روايتان ، إحداهما : يحرم النساء فيهما . والثانية : لا يحرم ، كما لو باع معدودا بمعدود من غير جنسه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية