الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون

إبطال لما اقتضاه الفرض في قوله : ولو اتبع الحق أهواءهم أي : بل لم يتبع الحق أهواءهم فأبلغنا إليهم الحق على وجهه بالقرآن الذي هو ذكر لهم [ ص: 95 ] يوقظ عقولهم من سباتها . كأنه يذكر عقولهم الحق الذي نسيته بتقادم الزمان على ضلالات آبائهم التي سنوها لهم فصارت أهواء لهم ألفوها فلم يقبلوا انزياحا عنها وأعرضوا عن الحق بأنه خالفها ، فجعل إبلاغ الحق لهم بالأدلة بمنزلة تذكير الناسي شيئا طال عهده به كما قال عمر بن الخطاب في كتابه إلى أبي موسى الأشعري : فإن الحق قديم قال تعالى : ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون .

وعدي فعل ( أتيناهم ) بالباء لأنه استعمل مجازا في الإرسال والتوجيه .

والذكر يجوز أن يكون مصدرا بمعنى التذكير . ويجوز أن يكون اسما للكلام الذي يذكر سامعيه بما غفل عنه وهو شأن الكتب الربانية . وإضافة الذكر إلى ضميرهم لفظية من الإضافة إلى مفعول المصدر .

والفاء لتفريع إعراضهم على الإتيان بالذكر إليهم ، أي : فتفرع على الإرسال إليهم بالذكر إعراضهم عنه . والمعنى : أرسلنا إليهم القرآن ليذكرهم .

وقيل : إضافة الذكر إلى ضميرهم معنوية ، أي : الذكر الذي سألوه حين كانوا يقولون : لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين فيكون الذكر على هذا مصدرا بمعنى الفاعل ، أي : ما يتذكرون به . والفاء على هذا الوجه فاء فصيحة ، أي : فها قد أعطيناهم كتابا فأعرضوا عن ذكرهم الذي سألوه كقوله تعالى : لو أن عندنا ذكرا من الأولين أي : من رسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم لكنا عباد الله المخلصين فكفروا به ، وقول عباس بن الأحنف :


قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا ثم القفول فقد جئنا خـراسـان



وقوله تعالى : أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير .

والتعبير عن إعراضهم بالجملة الاسمية للدلالة على ثبات إعراضهم وتمكنه منهم . وتقديم المجرور على عامله للاهتمام بذكرهم ليكون إعراضهم عنه محل عجب .

التالي السابق


الخدمات العلمية