الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون

الأشبه أن تكون هذه الجملة بدل اشتمال من جملة فذرهم في غمرتهم حتى حين باعتبار أن جملة ( فذرهم ) تشتمل على معنى عدم الاكتراث بما هم فيه من الأحوال التي ألهتهم عن النظر في دعوة الإسلام وغرتهم بأنهم بمحل الكرامة على الله بما خولهم من العزة والترف ، وما تشتمل عليه من التوعد بأن ذلك له نهاية ينتهون إليها وأن الله أعطاهم ما هم فيه زمن النعمة استدراجا لهم . وهذا كقوله تعالى : وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا [ ص: 75 ] وقوله : لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل .

والاستفهام في ( أيحسبون ) إنكاري وتوبيخ على هذا الحسبان سواء كان هذا الحسبان حاصلا لجميع المشركين أم غير حاصل لبعض ; لأن حالهم حال من هو مظنة هذا الحسبان فينكر عليه هذا الحسبان لإزالته من نفسه أو لدفع حصوله فيها .

و ( أنما ) هنا كلمتان ( أن ) المؤكدة ( وما ) الموصولة وكتبتا في المصحف متصلتين كما تكتب ( إنما ) المكسورة التي هي أداة حصر ; لأن الرسم القديم لم يكن منضبطا كل الضبط وحقها أن تكتب مفصولة .

والإمداد : إعطاء المدد وهو العطاء . و من مال وبنين بيان لـ ( ما ) الموصولة .

والمسارعة : التعجيل ، وهي هنا مستعارة لتوخي المرغوب والحرص على تحصيله . وفي حديث عائشة أنها قالت للنبيء صلى الله عليه وسلم : ( ما أرى ربك إلا يسارع في هواك ) أي : يعطيك ما تحبه ; لأن الراغب في إرضاء شخص يكون متسارعا في إعطائه مرغوبه ، ويقال : فلان يجري في حظوظك . ومتعلق ( نسارع ) محذوف تقديره : نسارع لهم به ، أي : بما نمدهم به من مال وبنين . وحذف لدلالة ( نمدهم به ) عليه .

وظرفية ( في ) مجازية . جعلت ( الخيرات ) بمنزلة الطريق يقع فيه المسارعة بالمشي فتكون ( في ) قرينة مكنية . وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى : يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر وقوله : فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم كلاهما في سورة العقود ، وقوله : إنهم كانوا يسارعون في الخيرات في سورة الأنبياء .

والخيرات : جمع خير بالألف والتاء ، وهو من الجموع النادرة مثل سرادقات .

[ ص: 76 ] وقد تقدم عند قوله تعالى : وأولئك لهم الخيرات في سورة براءة ، وتقدم في سورة الأنبياء .

و ( بل ) إضراب عن المظنون لا على الظن كما هو ظاهر بالقرينة ، أي : لسنا نسارع لهم بالخيرات كما ظنوا بل لا يشعرون بحكمة ذلك الإمداد وأنها لاستدراجهم وفضحهم بإقامة الحجة عليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية