الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين

انتقال من الاستدلال بخلق الإنسان إلى الاستدلال بخلق العوالم العلوية ; لأن أمرها أعجب ، وإن كان الإنسان إلى نظيره أقرب ، فالجملة عطف [ ص: 27 ] على جملة ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين . وإنما ذكر هذا عقب قوله : ثم إنكم يوم القيامة تبعثون للتنبيه على أن الذي خلق هذا العالم العلوي ما خلقه إلا لحكمة ، وأن الحكيم لا يهمل ثواب الصالحين على حسناتهم ، ولا جزاء المسيئين على سيئاتهم ، وأن جعله تلك الطرائق فوقنا بحيث نراها ليدلنا على أن لها صلة بنا ; لأن عالم الجزاء كائن فيها ومخلوقاته مستقرة فيها ، فالإشارة بهذا الترتيب مثل الإشارة بعكسه في قوله : وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين .

والطرائق : جمع طريقة وهي اسم للطريق تذكر وتؤنث . والمراد بها هنا : طرائق سير الكواكب السبعة وهي أفلاكها ، أي : الخطوط الفرضية التي ضبط الناس بها سموت سير الكواكب . وقد أطلق على الكوكب اسم الطارق في قوله تعالى : والسماء والطارق من أجل أنه ينتقل في سمت يسمى طريقة فإن الساير في طريق يقال له : طارق ، ولا شك أن الطرائق تستلزم سائرات فيها ، فكان المعنى : خلقنا سيارات وطرائقها .

وذكر ( فوقكم ) للتنبيه على وجوب النظر في أحوالها للاستدلال بها على قدرة الخالق لها تعالى فإنها بحالة إمكان النظر إليها والتأمل فيها .

ولأن كونها فوق الناس مما سهل انتفاعهم بها في التوقيت ولذلك عقب بجملة وما كنا عن الخلق غافلين المشعر بأن في ذلك لطفا بالخلق وتيسيرا عليهم في شئون حياتهم ، وهذا امتنان . فالواو في جملة وما كنا عن الخلق غافلين للحال ، والجملة في موضع الحال . وفيه تنبيه للنظر في أن عالم الجزاء كائن بتلك العوالم قال تعالى : وفي السماء رزقكم وما توعدون .

والخلق مفعول سمي بالمصدر ، أي : ما كنا غافلين عن حاجة مخلوقاتنا يعني البشر . ونفي الغفلة كناية عن العناية والملاحظة ، فأفاد ذلك أن في خلق الطرائق السماوية لما خلقت له لطفا بالناس أيضا إذ كان نظام خلقها صالحا [ ص: 28 ] لانتفاع الناس به في مواقيتهم وأسفارهم في البر والبحر كما قال : وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر . وأعظم تلك الطرائق طريقة الشمس مع ما زادت به من النفع بالإنارة وإصلاح الأرض والأجساد فصار المعنى : خلقنا فوقكم سبع طرائق لحكمة لا تعلمونها وما أهملنا في خلقها رعي مصالحكم أيضا .

والعدل عن الإضمار إلى الإظهار في قوله : وما كنا عن الخلق غافلين دون أن يقال : وما كنا عنكم غافلين ، لما يفيده المشتق من معنى التعليل ، أي : ما كنا عنكم غافلين ; لأنكم مخلوقاتنا فنحن نعاملكم بوصف الربوبية ، وفي ذلك تنبيه على وجوب الشكر والإقلاع عن الكفر .

التالي السابق


الخدمات العلمية