الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 200 ] ثم دخلت سنة ثلاثين وستمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها باشر خطابة بغداد ونقابة العباسيين العدل مجد الدين أبو القاسم هبة الله بن عبد الله المنصوري ، وخلع عليه خلعة سنية ، وكان فاضلا قد صحب الفقراء والصوفية ، وتزهد برهة من الزمان ، فلما دعي إلى هذا الأمر أجاب سريعا ، وأقبلت عليه الدنيا بزهرتها ، وخدمه الغلمان الأتراك ، ولبس لباس المترفين ، وقد عاتبه بعض تلامذته بقصيدة طويلة ، وعنفه على ما صار إليه ، وسردها ابن الساعي بطولها في تاريخه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها سار القاضي محيي الدين يوسف بن الشيخ جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي في الرسلية من الخليفة إلى الكامل محمد صاحب مصر ، ومعه كتاب هائل فيه تقليده الملك ، وفيه أوامر كثيرة مليحة من إنشاء الوزير نصير الدين أحمد بن الناقد ، سرده ابن الساعي أيضا بكماله ، وقد كان الكامل مخيما بظاهر آمد من أعمال الجزيرة ، قد افتتحها بعد حصار طويل ، وهو مسرور بما نال من ملكها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 201 ] وفيها فتحت دار الضيافة ببغداد للحجيج حين قدموا من حجهم ، وأجريت عليهم النفقات والكساوي والصلات . ولله الحمد والمنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها سارت العساكر المستنصرية صحبة الأمير شرف الدين أبي الفضائل إقبال الخاص المستنصري إلى مدينة إربل وأعمالها ، وذلك لمرض مالكها مظفر الدين كوكبري بن زين الدين ، وأنه ليس له من بعده من يملك البلاد ، فحين وصلها الجيش منعه أهل البلد ، فحاصروه حتى افتتحوه عنوة في السابع عشر من شوال في هذه السنة ، وجاءت البشائر بذلك ، فضربت الطبول ببغداد بسبب ذلك ، وفرح أهلها ، وكتب التقليد عليها لإقبال المذكور ، فرتب فيها المناصب ، وسار فيه سيرة جيدة ، وامتدح الشعراء هذا الفتح من حيث هو ، وكذلك مدحوا فاتحها إقبالا ، ومن أحسن ما قال بعضهم :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا يوم سابع عشر شوال الذي رزق السعادة أولا وأخيرا     هنيت فيه بفتح إربل مثلما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هنيت فيه وقد جلست وزيرا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يعني أن الوزير نصير الدين بن العلقمي ، كان قد وزر في مثل هذا اليوم من العام الماضي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي مستهل رمضان من هذه السنة شرع في عمارة دار الحديث الأشرفية بدمشق ، وكانت قبل ذلك دارا للأمير قايماز ، وبها حمام فهدمت ، وبنيت الدار عوضها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 202 ] وقد ذكر السبط في هذه السنة أن في ليلة النصف من شعبان فتحت دار الحديث الأشرفية المجاورة لقلعة دمشق ، وأملى بها الشيخ تقي الدين بن الصلاح الحديث ، ووقف عليها الأشرف الأوقاف ، وبها نعل النبي صلى الله عليه وسلم . قال : وسمع الأشرف " صحيح البخاري " في هذه السنة على الزبيدي . قلت : وكذا سمعوا عليه بالدار وبالصالحية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : وفيها فتح الكامل آمد وحصن كيفا ، ووجد عند ملكها خمسمائة حرة للفراش ، فعذبه الأشرف عذابا أليما .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها قصد صاحب ماردين وجيش بلاد الروم الجزيرة ، فقتلوا وسبوا ، وفعلوا ما لم يفعله التتار بالمسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية