الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين ( 205 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ( واذكر ) أيها المستمع المنصت للقرآن ، إذا قرئ في صلاة أو خطبة ، ( ربك في نفسك ) ، يقول : اتعظ بما في آي القرآن ، واعتبر به ، وتذكر معادك إليه عند سماعكه ( تضرعا ) ، يقول : افعل ذلك تخشعا لله وتواضعا له . ( وخيفة ) ، يقول : وخوفا من الله أن يعاقبك على تقصير يكون منك في الاتعاظ به والاعتبار ، وغفلة عما بين الله فيه من حدوده . ( ودون الجهر من القول ) ، يقول : ودعاء باللسان لله في خفاء لا جهار . يقول : ليكن ذكر الله عند استماعك القرآن في دعاء إن دعوت غير جهار ، ولكن في خفاء من القول ، كما : -

[ ص: 354 ] 15619 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول ) ، لا يجهر بذلك .

15620 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا أبو سعد قال : سمعت مجاهدا يقول في قوله : ( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول ) ، الآية قال : أمروا أن يذكروه في الصدور تضرعا وخيفة .

15621 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن التيمي ، عن أبيه ، عن حيان بن عمير ، عن عبيد بن عمير ، في قوله : ( واذكر ربك في نفسك ) قال : " يقول الله إذا ذكرني عبدي في نفسه ، ذكرته في نفسي ، وإذا ذكرني عبدي وحده ذكرته وحدي ، وإذا ذكرني في ملإ ذكرته في أحسن منهم وأكرم " .

15622 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : ( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ) قال : يؤمر بالتضرع في الدعاء والاستكانة ، ويكره رفع الصوت والنداء والصياح بالدعاء .

وأما قوله : ( بالغدو والآصال ) ، فإنه يعني بالبكر والعشيات .

وأما " الآصال " فجمع ، واختلف أهل العربية فيها .

[ ص: 355 ] فقال بعضهم : هي جمع " أصيل " ، كما " الأيمان " جمع " يمين " ، و" الأسرار " جمع " سرير " .

وقال آخرون منهم : هي جمع " أصل " ، و" الأصل " جمع " أصيل " .

وقال آخرون منهم : هي جمع " أصل " و" أصيل " . قال : وإن شئت جعلت " الأصل " جمعا ل " الأصيل " ، وإن شئت جعلته واحدا . قال : والعرب تقول : " قد دنا الأصل " فيجعلونه واحدا .

قال أبو جعفر : وهذا القول أولى بالصواب في ذلك ، وهو أنه جائز أن يكون جمع " أصيل " و" أصل " ؛ لأنهما قد يجمعان على أفعال . وأما " الآصال " ، فهي فيما يقال في كلام العرب : ما بين العصر إلى المغرب .

وأما قوله : ( ولا تكن من الغافلين ) ، فإنه يقول : ولا تكن من اللاهين إذا قرئ القرآن عن عظاته وعبره ، وما فيه من عجائبه ، ولكن تدبر ذلك وتفهمه ، وأشعره قلبك بذكر لله ، وخضوع له ، وخوف من قدرة الله عليك ، إن أنت غفلت عن ذلك .

15623 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( بالغدو والآصال ) قال : بالبكر والعشي ( ولا تكن من الغافلين ) .

15624 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا معرف بن واصل السعدي ، قال : سمعت أبا وائل يقول لغلامه عند مغيب الشمس : آصلنا بعد ؟ [ ص: 356 ]

15625 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج قال مجاهد ، قوله : ( بالغدو والآصال ) قال : " الغدو " ، آخر الفجر ، صلاة الصبح ( والآصال ) ، آخر العشي ، صلاة العصر . قال : وكل ذلك لها وقت أول الفجر وآخره . وذلك مثل قوله في " سورة آل عمران " : ( واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار ) ، [ سورة آل عمران : 41 ] . وقيل : " العشي " : ميل الشمس إلى أن تغيب ، و" الإبكار " : أول الفجر .

15626 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن محمد بن شريك ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، سئل عن [ صلاة الفجر ، فقال : إنها لفي كتاب الله ، ولا يقوم عليها ] . . . . . ثم قرأ : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ) ، الآية [ سورة النور : 36 ] . [ ص: 357 ]

15627 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ) ، إلى قوله : ( بالغدو والآصال ) ، أمر الله بذكره ، ونهى عن الغفلة . أما " بالغدو " : فصلاة الصبح " والآصال " : بالعشي .

التالي السابق


الخدمات العلمية