الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 13 ] ( فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون )

                                                                                                                                                                                                                                            ( فاستبقوا الخيرات ) أي فابتدروها وسابقوا نحوها .

                                                                                                                                                                                                                                            ( إلى الله مرجعكم جميعا ) استئناف في معنى التعليل لاستباق الخيرات .

                                                                                                                                                                                                                                            ( فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) فيخبركم بما لا تشكون معه من الجزاء الفاصل بين محقكم ومبطلكم ، وموفيكم ومقصركم في العمل ، والمراد أن الأمر سيؤول إلى ما يزول معه الشكوك ويحصل معه اليقين ، وذلك عند مجازاة المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : فإن قيل : قوله : ( وأنزلنا إليك الكتاب ) كأنه قيل : وأنزلنا إليك أن احكم و " أن " وصلت بالأمر ; لأنه فعل كسائر الأفعال ، ويجوز أن يكون معطوفا على قوله : ( بالحق ) أي : أنزلناه بالحق وبأن احكم ، وقوله : ( ولا تتبع أهواءهم ) قد ذكرنا أن اليهود اجتمعوا وأرادوا إيقاعه في تحريف دينه فعصمه الله تعالى عن ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قالوا : هذه الآية ناسخة للتخيير في قوله ( فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ) [المائدة : 42] .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : أعيد ذكر الأمر بالحكم بعد ذكره في الآية الأولى إما للتأكيد ، وإما لأنهما حكمان أمر بهما جميعا ; لأنهم احتكموا إليه في زنا المحصن ، ثم احتكموا في قتيل كان فيهم .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) .

                                                                                                                                                                                                                                            قال ابن عباس : يريد به يردوك إلى أهوائهم ، فإن كل من صرف من الحق إلى الباطل فقد فتن ، ومنه قوله : ( وإن كادوا ليفتنونك ) [الإسراء : 73] والفتنة ههنا في كلامهم التي تميل عن الحق وتلقي في الباطل وكان صلى الله عليه وسلم يقول : أعوذ بك من فتنة المحيا قال : هو أن يعدل عن الطريق ، قال أهل العلم : هذه الآية تدل على أن الخطأ والنسيان جائزان على الرسول ; لأن الله تعالى قال : ( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) والتعمد في مثل هذا غير جائز على الرسول ، فلم يبق إلا الخطأ والنسيان .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( فإن تولوا ) أي فإن لم يقبلوا حكمك ( فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ) وفيه مسألتان : [ ص: 14 ] المسألة الأولى : المراد يبتليهم بجزاء بعض ذنوبهم في الدنيا ، وهو أن يسلطك عليهم ، ويعذبهم في الدنيا بالقتل والجلاء ، وإنما خص الله تعالى بعض الذنوب ; لأن القوم جوزوا في الدنيا ببعض ذنوبهم ، وكان مجازاتهم بالبعض كافيا في إهلاكهم والتدمير عليهم ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : دلت الآية على أن الكل بإرادة الله تعالى ; لأنه لا يريد أن يصيبهم ببعض ذنوبهم إلا وقد أراد ذنوبهم ، وذلك يدل على أنه تعالى مريد للخير والشر .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( وإن كثيرا من الناس لفاسقون ) لمتمردون في الكفر معتدون فيه ، يعني أن التولي عن حكم الله تعالى من التمرد العظيم والاعتداء في الكفر .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية