الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 744 ] ثم دخلت سنة ثنتين وستمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها وقعت حرب عظيمة بين الملك شهاب الدين محمد بن سام الغوري ، صاحب غزنة وبين بني كوكر أصحاب الجبل الجودي ، وكانوا قد ارتدوا عن الإسلام ، فقاتلهم وكسرهم ، وغنم منهم شيئا كثيرا لا يحد ولا يوصف ، فاتبعه بعضهم حتى قتله غيلة في ليلة مستهل شعبان منها بعد العشاء ، رحمه الله ، وكان من أجود الملوك سيرة وأعقلهم وأثبتهم في الحرب ، تغمده الله برحمته ، ولما قتل كان في صحبته فخر الدين الرازي وكان يجلس للوعظ فيحضر الملك وعظه ، ويبكي حين يقول له في آخر مجلسه : يا سلطان ، سلطانك لا يبقى ، ولا تلبيس الرازي أيضا ، وإن مردنا جميعا إلى الله ، وحين قتل السلطان اتهمه الخاصكية بقتله ، فخاف من ذلك والتجأ إلى الوزير مؤيد الملك بن خواجا ، فسيره إلى حيث يأمن ، وتملك غزنة بعده أحد مماليكه تاج الدين الدز ، وجرت بعد ذلك خطوب يطول بسطها ، قد استقصاها ابن الأثير وابن الساعي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها أغارت الكرج على بلاد المسلمين ، فوصلوا إلى خلاط فقتلوا وسبوا ، [ ص: 745 ] وقاتلهم المقاتلة والعامة ، وفيها سار صاحب إربل مظفر الدين كوكبوري وصحبه صاحب مراغة لقتال ملك أذربيجان وهو أبو بكر بن البهلوان ; وذلك لنكوله عن قتال الكرج ، وإقباله على السكر ليلا ونهارا ، فلم يقدروا عليه ، ثم إنه تزوج في هذه السنة بنت ملك الكرج ، فانكف شرهم عنه ، قال ابن الأثير : وكان كما يقال : أغمد سيفه وسل أيره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها استوزر الخليفة نصير الدين ناصر بن مهدي العلوي الحسني ، وخلع عليه بالوزارة وضربت الطبول بين يديه وعلى بابه في أوقات الصلوات . وفيها أغار صاحب بلاد الأرمن وهو ابن لاون على بلاد حلب فقتل وسبى ونهب ، فخرج إليه الملك الظاهر غازي بن الناصر ، فهرب ابن لاون بين يديه ، فهدم الظاهر قلعة كان قد بناها ، ودكها إلى الأرض .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي شعبان منها هدمت القنطرة الرومانية التي كانت عند الباب الشرقي ونشرت حجارتها ليبلط بها الجامع الأموي بسفارة الوزير صفي الدين بن شكر ، وزير العادل ، وكمل تبليطه في سنة أربع وستمائة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية