الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يأمر هذا النبي الأمي أتباعه بالمعروف وهو الإيمان بالله ولزوم طاعته فيما أمر ونهى ، فذلك "المعروف" الذي يأمرهم به " وينهاهم عن المنكر " وهو الشرك بالله ، والانتهاء عما نهاهم الله عنه . وقوله : " ويحل لهم الطيبات " ، وذلك ما كانت الجاهلية تحرمه من البحائر والسوائب والوصائل والحوامي " ويحرم عليهم الخبائث " ، وذلك لحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلونه من المطاعم والمشارب التي حرمها الله ، كما : - [ ص: 166 ]

15229 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " ويحرم عليهم الخبائث " ، وهو لحم الخنزير والربا ، وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله .

وأما قوله : " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم " ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله .

فقال بعضهم : يعني ب"الإصر" ، العهد والميثاق الذي كان أخذه على بني إسرائيل بالعمل بما في التوراة .

ذكر من قال ذلك :

15230 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جابر بن نوح ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : " ويضع عنهم إصرهم " ، قال : عهدهم .

15231 - . . . قال حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : عهدهم .

15232 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن علي قال ، أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثله .

15233 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن يمان ، عن مبارك ، عن الحسن : " ويضع عنهم إصرهم " ، قال : العهود التي أعطوها من أنفسهم .

15234 - . . . . قال ، حدثنا ابن نمير ، عن موسى بن قيس ، عن مجاهد : " ويضع عنهم إصرهم " ، قال : عهدهم .

15235 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم " ، يقول : يضع عنهم عهودهم ومواثيقهم التي أخذت عليهم في التوراة والإنجيل . [ ص: 167 ]

15236 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم " ، ما كان الله أخذ عليهم من الميثاق فيما حرم عليهم . يقول : يضع ذلك عنهم .

وقال بعضهم : عني بذلك أنه يضع عمن اتبع نبي الله صلى الله عليه وسلم ، التشديد الذي كان على بني إسرائيل في دينهم .

ذكر من قال ذلك :

15237 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم " ، فجاء محمد صلى الله عليه وسلم بإقالة منه وتجاوز عنه .

15238 - حدثني المثنى قال حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد : " ويضع عنهم إصرهم " ، قال : البول ونحوه ، مما غلظ على بني إسرائيل .

15239 - . . . . قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد قال : شدة العمل .

15240 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال مجاهد قوله : " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم " قال : من اتبع محمدا ودينه من أهل الكتاب ، وضع عنهم ما كان عليهم من التشديد في دينهم .

15241 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن فضيل ، عن أشعث ، عن ابن سيرين قال : قال أبو هريرة لابن عباس : ما علينا في الدين من حرج أن نزني ونسرق؟ قال : بلى! ولكن الإصر الذي كان على بني إسرائيل وضع عنكم . [ ص: 168 ]

15242 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " ويضع عنهم إصرهم " ، قال : إصرهم الذي جعله عليهم .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن "الإصر" هو العهد وقد بينا ذلك بشواهده في موضع غير هذا بما فيه الكفاية وأن معنى الكلام : ويضع النبي الأمي العهد الذي كان الله أخذ على بني إسرائيل ، من إقامة التوراة والعمل بما فيها من الأعمال الشديدة ، كقطع الجلد من البول ، وتحريم الغنائم ، ونحو ذلك من الأعمال التي كانت عليهم مفروضة ، فنسخها حكم القرآن .

وأما "الأغلال التي كانت عليهم" ، فكان ابن زيد يقول بما : -

15243 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب ، عنه في قوله : " والأغلال التي كانت عليهم " ، قال : "الأغلال" ، وقرأ ( غلت أيديهم ) [ سورة المائدة : 64 ] . قال : تلك الأغلال . قال : ودعاهم إلى أن يؤمنوا بالنبي فيضع ذلك عنهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية