الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( سأريكم دار الفاسقين ( 145 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لموسى ، إذ كتب في الألواح من كل شيء : خذها بجد في العمل بما فيها واجتهاد ، وأمر قومك يأخذوا بأحسن ما فيها ، وانههم عن تضييعها وتضييع العمل بما فيها والشرك بي ، فإن من أشرك بي منهم ومن غيرهم ، فإني سأريه في الآخرة عند مصيره إلي ، "دار الفاسقين" ، وهي نار الله التي أعدها لأعدائه .

وإنما قال : " سأريكم دار الفاسقين " ، كما يقول القائل لمن يخاطبه : "سأريك غدا إلام يصير إليه حال من خالف أمري!" ، على وجه التهدد والوعيد لمن عصاه وخالف أمره . [ ص: 111 ]

وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك .

فقال بعضهم بنحو ما قلنا في ذلك .

ذكر من قال ذلك :

15117 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " سأريكم دار الفاسقين " ، قال : مصيرهم في الآخرة .

15118 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

15119 - حدثني المثنى قال ، حدثنا مسلم قال ، حدثنا مبارك ، عن الحسن ، في قوله : " سأريكم دار الفاسقين " ، قال : جهنم .

وقال آخرون : معنى ذلك : سأدخلكم أرض الشام ، فأريكم منازل الكافرين الذين هم سكانها من الجبابرة والعمالقة .

ذكر من قال ذلك :

15120 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " سأريكم دار الفاسقين " ، منازلهم .

15121 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : " دار الفاسقين " ، قال : منازلهم .

وقال آخرون : معنى ذلك : سأريكم دار قوم فرعون ، وهي مصر .

ذكر من قال ذلك :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . [ ص: 112 ] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قال أبو جعفر : وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في تأويل ذلك ، لأن الذي قبل قوله جل ثناؤه : " سأريكم دار الفاسقين " ، أمر من الله لموسى وقومه بالعمل بما في التوراة . فأولى الأمور بحكمة الله تعالى أن يختم ذلك بالوعيد على من ضيعه وفرط في العمل لله ، وحاد عن سبيله ، دون الخبر عما قد انقطع الخبر عنه ، أو عما لم يجر له ذكر .

التالي السابق


الخدمات العلمية