الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل ( 134 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : " ولما وقع عليهم الرجز " ، ولما نزل بهم عذاب الله ، وحل بهم سخطه .

ثم اختلف أهل التأويل في ذلك "الرجز" الذي أخبر الله أنه وقع بهؤلاء القوم .

فقال بعضهم : كان ذلك طاعونا .

ذكر من قال ذلك :

15033 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن المغيرة ، عن سعيد بن جبير قال : وأمر موسى قومه من بني إسرائيل وذلك [ ص: 71 ] بعد ما جاء قوم فرعون بالآيات الخمس : الطوفان وما ذكر الله في هذه الآية ، فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل فقال : ليذبح كل رجل منكم كبشا ، ثم ليخضب كفه في دمه ، ثم ليضرب به على بابه! فقالت القبط لبني إسرائيل لم تعالجون هذا الدم على أبوابكم؟ فقالوا : إن الله يرسل عليكم عذابا ، فنسلم وتهلكون . فقالت القبط : فما يعرفكم الله إلا بهذه العلامات؟ فقالوا : هكذا أمرنا به نبينا! فأصبحوا وقد طعن من قوم فرعون سبعون ألفا ، فأمسوا وهم لا يتدافنون . فقال فرعون عند ذلك : ( ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز ) ، وهو الطاعون ، ( لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل ) ، فدعا ربه ، فكشفه عنهم ، فكان أوفاهم كلهم فرعون ، فقال لموسى : اذهب ببني إسرائيل حيث شئت .

15034 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حبويه الرازي وأبو داود الحفري ، عن يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير قال حبويه ، عن ابن عباس ( لئن كشفت عنا الرجز ) قال : الطاعون .

وقال آخرون : هو العذاب .

ذكر من قال ذلك :

15035 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "الرجز" العذاب .

15036 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

15037 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( فلما كشفنا عنهم الرجز ) ، أي العذاب .

15038 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور قال ، [ ص: 72 ] حدثنا معمر ، عن قتادة : ( ولما وقع عليهم الرجز ) ، يقول : العذاب .

15039 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( ولما وقع عليهم الرجز ) ، قال ، "الرجز" ، العذاب الذي سلط الله عليهم من الجراد والقمل وغير ذلك ، وكل ذلك يعاهدونه ثم ينكثون .

وقد بينا معنى "الرجز" فيما مضى من كتابنا هذا بشواهده المغنية عن إعادتها .

قال أبو جعفر : وأولى القولين بالصواب في هذا الموضع أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر عن فرعون وقومه أنهم لما وقع عليهم الرجز وهو العذاب والسخط من الله عليهم فزعوا إلى موسى بمسألته ربه كشف ذلك عنهم . وجائز أن يكون ذلك "الرجز" كان الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ، لأن كل ذلك كان عذابا عليهم وجائز أن يكون ذلك "الرجز" كان طاعونا ، ولم يخبرنا الله أي ذلك كان ، ولا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي ذلك كان خبر ، فنسلم له . فالصواب أن نقول فيه كما قال جل ثناؤه : ( ولما وقع عليهم الرجز ) ، ولا نتعداه إلا بالبيان الذي لا تمانع فيه بين أهل التأويل ، وهو لما حل بهم عذاب الله وسخطه .

( قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك ) ، يقول : بما أوصاك وأمرك به . وقد بينا معنى : "العهد" ، فيما مضى .

( لإن كشفت عنا الرجز ) ، يقول : لإن رفعت عنا العذاب الذي نحن [ ص: 73 ] فيه ( لنؤمنن لك ) ، يقول : لنصدقن بما جئت به ودعوت إليه ولنقرن به لك ( ولنرسلن معك بني إسرائيل ) ، يقول : ولنخلين معك بني إسرائيل فلا نمنعهم أن يذهبوا حيث شاءوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية