الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( الأشراط والأمارات الثالثة )

العلامات العظام والأشراط الجسام التي تعقبها الساعة وهي المقصودة في النظم والتي تكلم عليها أهل العلم وإليها الإشارة بقوله :


( ( وما أتى في النص من أشراط فكله حق بلا شطاط ) )



( ( وما ) ) أي وما ورد عن سيد الخلق وهو حق يجب اعتقاده ولا يسوغ رده الذي ( ( أتى ) ) أي ورد وجاء ( ( في النص ) ) القرآني أو الحديث النبوي ( ( من أشراط ) ) الساعة بأقسامها الثلاثة مما ذكرنا ومما لم نذكر والمراد بالساعة يوم القيامة وسميت الساعة لقربها ، أو لأنها تأتي بغتة ( أو ) في ساعة ، أو لأن بعث الموتى من قبورهم يكون في أسرع من اللمحة ، أو لأن فصل القضاء في ذلك اليوم في قدر ساعة .

ويروى عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن محاسبة الخلق فقال : كما يرزقهم في غداة واحدة كذلك يحاسبهم في ساعة واحدة .

وتقدم أن الأشراط جمع شرط وأنها أماراتها وعلاماتها ( ( فكله ) ) أي الذي أتى في النص من أشراط الساعة وفي نسخة كلها أي الأشراط ( ( حق ) ) واقع ويقين ليس له مدافع ( ( بلا شطاط ) ) كسحاب وكتاب أي من غير طول وبعد يقال رجل شاط بين الشطاط والشطاطة والشطاط بالكسر وهو البعيد ما بين الطرفين وقرئ ( ولا تشطط ) ولا تشاطط أي لا تبعد عن الحق والمعنى أن الذي جاء في النص من أشراط الساعة حق كله لا بعد فيه ولا عقد ينافيه . ثم أخذ في تعداد تلك الأشراط فقال :


( ( منها الإمام الخاتم الفصيح     محمد المهدي والمسيح ) )



" ومنها " : أي من أشراط الساعة التي وردت بها الأخبار وتواترت في مضمونها الآثار أي من العلامات العظمى وهي أولها أن يظهر ( ( الإمام ) ) المقتدى بأقواله وأفعاله ( ( الخاتم ) ) للأئمة فلا إمام بعده كما أن النبي صلى [ ص: 71 ] الله عليه وسلم هو الخاتم للنبوة والرسالة فلا نبي ولا رسول بعده .

( ( الفصيح ) ) اللسان لأنه من صميم العرب أهل الفصاحة والبلاغة ، والفصاحة في اصطلاح أهل المعاني والبيان خلوص الكلام من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد مع فصاحة مفرداته ، والفصاحة في المفرد خلوصه عن تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس ، والفصاحة في المتكلم ملكة يقتدر معها على التعبير المقصود بلفظ فصيح ، والبلاغة في الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته ، وفي المتكلم ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ .

وقوله : ( ( محمد المهدي ) ) هذا اسمه وأشهر أوصافه فأما اسمه فمحمد جاء ذلك في عدة أخبار وفي بعضها أن اسمه أحمد واسم أبيه عبد الله فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي " رواه أبو نعيم من حديث أبي هريرة ولفظه : أنه صلى الله عليه وسلم قال " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا " .

وروى نحوه الترمذي وأبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، وفي رواية من حديث ابن مسعود أيضا " لا تذهب الدنيا حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما " أخرجه الطبراني في معجمه الصغير ، وأخرجه الترمذي ولفظه : حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي . وقال : حديث حسن صحيح . وكذلك أخرجه أبو داود في سننه .

وروى ابن مسعود أيضا رضي الله عنه رفعه : اسم المهدي محمد . وفي مرفوع حذيفة : محمد بن عبد الله ويكنى أبا عبد الله . ومن أسمائه أيضا أحمد بن عبد الله كما في بعض الروايات .

وأما زعم الشيعة أن اسمه محمد بن الحسن وأنه محمد بن الحسن العسكري فهذيان فإن محمد بن الحسن هذا قد مات وأخذ عمه جعفر ميراث أبيه الحسن . قلت : هو أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق [ ص: 72 ] بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم ، ومحمد بن الحسن العسكري هذا ثاني عشر الأئمة الاثنى عشر على اعتقاد الإمامية ويعرف بالحجة وهو الذي تزعم الشيعة أنه المنتظر والقائم والمهدي وهو صاحب السرداب عندهم ، وأقاويلهم فيه كثيرة وهم ينتظرون ظهوره في آخر الزمان من السرداب بسر من رأى كانت ولادته في منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ، والشيعة تزعم أنه دخل السرداب في دار أبيه وأمه تنظر إليه فلم يعد يخرج إليها وذلك في سنة خمس وستين ومائتين وعمره يومئذ تسع سنين وقيل غير ذلك ، وكل ذلك ضرب من الجنون والهذيان ، وأما ذاك فقد مات رضوان الله عليه وعلى آبائه .

وأما تسميته ووصفه بالمهدي فقد ثبت له هذه الصفة في عدة أخبار ، وعن كعب الأحبار قال : إنما سمي المهدي لأنه يهدى إلى أمر خفي ويستخرج التوراة والإنجيل من أرض يقال لها أنطاكية . أخرجه نعيم في كتاب الفتن . وفي بعض رواياته عن كعب قال : إنما سمي مهديا لأنه يهدى إلى أسفار التوراة فيستخرجها من جبال الشام يدعو إليها اليهود فيسلم على تلك الكتب جماعة كثيرة .

وذكر الإمام أبو عمرو الداني قال إنما سمي المهدي لأنه يهدى إلى جبل الشام يستخرج منها أسفار التوراة يحاج بها اليهود فيسلم على يده جماعة منهم .

وأما لقبه فالجابر لأنه يجبر قلوب أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولأنه يجبر أي يقهر الجبارين والظالمين ويقصمهم . وأما كنيته فأبو عبد الله . وأما نسبه فإنه من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ثم إن الروايات الكثيرة والأخبار الغزيرة ناطقة أنه من ولد فاطمة البتول ابنة النبي الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي عنها وعن أولادها الطاهرين ، وجاء في بعض الأحاديث أنه من ولد العباس والأول أصح .

قال ابن حجر في كتابه القول المختصر وأما ما روي " إن المهدي من ولد آل عباس عمي " فقال الدارقطني حديث غريب تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم . قال ولا ينافيه خبر الرافعي عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا " ألا أبشرك يا عم إن من ذريتك الأصفياء [ ص: 73 ] ومن عترتك الخلفاء ومنك المهدي في آخر الزمان به ينشر الله الهدى ويطفئ نيران الضلالة . إن الله فتح بنا هذا الأمر وبذريتك يختم . وخبر هيثم بن كليب وابن عساكر عن ابن عباس ورجاله ثقات " اللهم انصر العباس وولد العباس ثلاثا . يا عم ، أما علمت أن المهدي من ولدك موفقا راضيا " . وخبر أبي نعيم في الحلية عن أبي هريرة رضي الله عنه " ألا أبشرك يا أبا الفضل إن الله عز وجل افتتح بي هذا الأمر وبذريتك يختم " .

وخبر الديلمي عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لن تزال الخلافة في ولد عمي وصنو أبي حتى يسلموها إلى الدجال " . وخبر الخطيب عن ابن عباس عن أمه أم الفضل رضي الله عنهم " يا عباس أنت عمي وصنو أبي وخير من أخلف بعدي من أهلي إذا كانت خمس وثلاثون ومائة فهي لك ولولدك منهم السفاح ومنهم المنصور ومنهم المهدي " .

وخبر الطيب وابن عساكر عن علي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال للعباس " يا عم ألا أخبرك أن الله افتتح هذا الأمر بي وختمه بولدك " فهذه الأخبار كلها لا تنافي أن المهدي من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة الزهراء ; لأن الأحاديث التي فيها أن المهدي من ولدها أكثر وأصح ، بل قال بعض حفاظ الأمة وأعيان الأئمة أن كون المهدي من ذريته صلى الله عليه وسلم مما تواتر عنه ذلك فلا يسوغ العدول ولا الالتفات إلى غيره .

وقال ابن حجر يمكن الجمع بأن يكون من ذريته صلى الله عليه وسلم وللعباس فيه ولادة من جهة أن في أمهاته عباسية .

والحاصل أن للحسن في المهدي الولادة العظمى ; لأن أحاديث كونه من ذريته أكثر وللحسين فيه ولادة أيضا وللعباس فيه ولادة أيضا ولا مانع من اجتماع ولادات متعددات في شخص واحد من جهات مختلفة وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية