الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2534 ) مسألة : قال : ( فإذا وصل إلى منى ، رمى جمرة العقبة بسبع حصيات ، يكبر في إثر كل حصاة ، ولا يقف عندها ) حد منى ما بين جمرة العقبة ووادي محسر ، كذلك قال عطاء ، والشافعي . وليس محسر والعقبة من منى . ويستحب سلوك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سلكها . كذا في حديث جابر . فإذا وصل منى بدأ بجمرة العقبة ، وهي آخر الجمرات مما يلي منى ، وأولها مما يلي مكة ، وهي عند العقبة ، وكذلك سميت جمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة ، ويستبطن الوادي ، ويستقبل القبلة ، ثم ينصرف ولا يقف . وهذا بجملته قول من علمنا قوله من أهل العلم .

                                                                                                                                            وإن رماها من فوقها جاز ; لأن عمر رضي الله عنه جاء والزحام عند الجمرة ، فصعد فرماها من فوقها . والأول أفضل ; لما روى عبد الرحمن بن يزيد ، أنه مشى مع { عبد الله ، وهو يرمي الجمرة ، فلما كان في بطن الوادي أعرضها فرماها ، فقيل ، له : إن ناسا يرمونها من فوقها . فقال : من هاهنا ، والذي لا إله إلا هو ، رأيت الذي أنزلت عليه سورة البقرة رماها } . متفق عليه .

                                                                                                                                            وفي لفظ : { لما أتى عبد الله جمرة العقبة ، استبطن الوادي ، واستقبل القبلة ، وجعل يرمي الجمرة على حاجبه الأيمن ، ثم رمى بسبع حصيات ، ثم قال : والله الذي لا إله غيره ، من هاهنا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة } . قال الترمذي : وهذا حديث صحيح ، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم . ولا يسن الوقوف عندها ; لأن ابن عمر ، وابن عباس ، رويا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى جمرة العقبة ، انصرف ولم يقف } . رواه ابن ماجه . ويكبر مع كل حصاة ; لأن جابرا قال : فرماها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة . وإن قال : اللهم اجعله حجا مبرورا ، وذنبا مغفورا ، وعملا مشكورا .

                                                                                                                                            فحسن ; فإن ابن مسعود وابن عمر كانا يقولان نحو ذلك . وروى حنبل ، في ( المناسك ) ، بإسناده عن زيد بن أسلم ، قال : رأيت سالم بن عبد الله استبطن الوادي ، ورمى الجمرة بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة : الله أكبر الله أكبر . ثم قال : اللهم اجعله حجا مبرورا ، وذنبا مغفورا ، وعملا مشكورا . فسألته عما صنع ؟ فقال : حدثني أبي { أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة من هذا المكان ، ويقول كلما رمى حصاة مثلما قلت } . وقال إبراهيم النخعي : كانوا يحبون ذلك .

                                                                                                                                            ( 2535 ) فصل : ويرميها راكبا أو راجلا كيفما شاء ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم رماها على راحلته . رواه جابر ، وابن عمر ، وأم أبي الأحوص ، وغيرهم . قال جابر : { رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ، ويقول : لتأخذوا عني مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه . } رواه مسلم .

                                                                                                                                            وقال نافع : كان ابن عمر [ ص: 219 ] يرمي جمرة العقبة على دابته يوم النحر . وكان لا يأتي سائرها بعد ذلك إلا ماشيا ، ذاهبا وراجعا . وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأتيها إلا ماشيا ، ذاهبا وراجعا . رواه أحمد ، في ( المسند ) .

                                                                                                                                            وفي هذا بيان للتفريق بين هذه الجمرة وغيرها . ولأن رمي هذه الجمرة مما يستحب البداية به في هذا اليوم عند قدومه ، ولا يسن عندها وقوف ، ولو سن له المشي إليها لشغله النزول عن البداية بها ، والتعجيل إليها ، بخلاف سائرها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية