الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 250 ] قصة أعشى بن قيس بن ثعلبة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن هشام : حدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي ، وغيره من مشايخ بكر بن وائل ، عن أهل العلم ، أن أعشى بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ، خرج إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد الإسلام ، فقال يمدح النبي - صلى الله عليه وسلم - :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وبت كما بات السليم مسهدا     وما ذاك من عشق النساء وإنما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تناسيت قبل اليوم خلة مهددا     ولكن أرى الدهر الذي هو خائن
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا أصلحت كفاي عاد فأفسدا     كهولا وشبانا فقدت وثروة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلله هذا الدهر كي ترددا [ ص: 251 ]     وما زلت أبغي المال مذ أنا يافع
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وليدا وكهلا حين شبت وأمردا     وأبتذل العيس المراقيل تعتلي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مسافة ما بين النجير فصرخدا     ألا أيهذا السائلي أين يممت
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فإن لها في أهل يثرب موعدا     فإن تسألي عني فيا رب سائل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حفي عن الأعشى به حيث أصعدا     أجدت برجليها نجاء وراجعت
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يداها خناقا لينا غير أحردا     وفيها إذا ما هجرت عجرفية
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا خلت حرباء الظهيرة أصيدا [ ص: 252 ]     وآليت لا آوي لها من كلالة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولا من حفى حتى تلاقي محمدا     متى ما تناخي عند باب ابن هاشم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تراحي وتلقى من فواضله ندى     نبي يرى ما لا ترون وذكره
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أغار لعمري في البلاد وأنجدا     له صدقات ما تغب ونائل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فليس عطاء اليوم مانعه غدا     أجدك لم تسمع وصاة محمد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نبي الإله حيث أوصى وأشهدا     إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولاقيت بعد الموت من قد تزودا     ندمت على أن لا تكون كمثله
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فترصد للأمر الذي كان أرصدا     فإياك والميتات لا تقربنها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولا تأخذن سهما حديدا لتفصدا     وذا النصب المنصوب لا تنسكنه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولا تعبد الأوثان والله فاعبدا     ولا تقربن حرة كان سرها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عليك حراما فانكحن أو تأبدا [ ص: 253 ]     وذا الرحم القربى فلا تقطعنه .
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لعاقبة ولا الأسير المقيدا     وسبح على حين العشية والضحى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولا تحمد الشيطان والله فاحمدا     ولا تسخرن من بائس ذي ضرارة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولا تحسبن المال للمرء مخلدا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن هشام : فلما كان بمكة أو قريبا منها ، اعترضه بعض المشركين من قريش ، فسأله عن أمره ، فأخبره أنه جاء يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليسلم ، فقال له : يا أبا بصير إنه يحرم الزنا . فقال الأعشى : والله إن ذلك لأمر ما لي فيه من أرب . فقال : يا أبا بصير إنه يحرم الخمر . فقال الأعشى : أما هذه فوالله إن في النفس منها لعلالات ، ولكني منصرف فأتروى منها عامي هذا ، ثم آتيه فأسلم . فانصرف ، فمات في عامه ذلك ، ولم يعد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . هكذا أورد ابن هشام هذه القصة هاهنا ، وهو كثير المؤاخذات لمحمد بن إسحاق رحمه الله ، وهذا مما يؤاخذ به ابن هشام رحمه الله ، فإن الخمر إنما حرمت بالمدينة ، بعد وقعة بني النضير ، كما سيأتي بيانه ، فالظاهر أن عزم الأعشى على القدوم للإسلام إنما كان بعد الهجرة ، وفي شعره ما يدل على ذلك وهو قوله :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 254 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ألا أيهذا السائلي أين يممت     فإن لها في أهل يثرب موعدا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان الأنسب والأليق بابن هشام أن يؤخر ذكر هذه القصة إلى ما بعد الهجرة ، ولا يوردها هاهنا . والله أعلم . قال السهيلي : وهذه غفلة من ابن هشام ومن تابعه ، فإن الناس مجمعون على أن الخمر لم ينزل تحريمها إلا بالمدينة بعد أحد . وقد قال : وقيل : إن القائل للأعشى هو أبو جهل بن هشام في دار عتبة بن ربيعة . وذكر أبو عبيدة أن القائل له ذلك ، هو عامر بن الطفيل في بلاد قيس ، وهو مقبل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال : وقوله : ثم آتيه فأسلم . لا يخرجه عن كفره ، بلا خلاف . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم ذكر ابن إسحاق هاهنا قصة الإراشي وكيف استعدى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبي جهل في ثمن الجمل الذي ابتاعه منه ، وكيف أذل الله أبا جهل وأرغم أنفه ، حتى أعطاه ثمنه في الساعة الراهنة ، وقد قدمنا ذلك في ابتداء الوحي وما كان من أذية المشركين عند ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية