الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 442 ] القول في تأويل قوله ( لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ( 43 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره مخبرا عن هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنهم يقولون عند دخولهم الجنة ، ورؤيتهم كرامة الله التي أكرمهم بها ، وهو أن أعداء الله في النار : والله لقد جاءتنا في الدنيا ، وهؤلاء الذين في النار ، رسل ربنا بالحق من الأخبار عن وعد الله أهل طاعته والإيمان به وبرسله ، ووعيده أهل معاصيه والكفر به .

وأما قوله : ( ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ) ، فإن معناه : ونادى مناد هؤلاء الذين وصف الله صفتهم ، وأخبر عما أعد لهم من كرامته : أن يا هؤلاء ، هذه تلكم الجنة التي كانت رسلي في الدنيا تخبركم عنها ، أورثكموها الله عن الذين كذبوا رسله ، لتصديقكم إياهم وطاعتكم ربكم . وذلك هو معنى قوله : ( بما كنتم تعملون ) .

وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 443 ]

14667 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ) ، قال : ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل ، فإذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، ودخلوا منازلهم ، رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها ، فقيل لهم : " هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله " ، ثم يقال : " يا أهل الجنة ، رثوهم بما كنتم تعملون " ، فتقسم بين أهل الجنة منازلهم .

14668 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن سعد أبو داود الحفري ، [ عن سعيد بن بكير ] ، عن سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن الأغر : ( ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ) ، قال : نودوا أن صحوا فلا تسقموا ، واخلدوا فلا تموتوا ، وانعموا فلا تبأسوا .

14669 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن الأغر ، عن أبي سعيد : ( ونودوا أن تلكم الجنة ) ، الآية ، قال : ينادي مناد : أن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا .

واختلف أهل العربية في " أن " التي مع " تلكم " . [ ص: 444 ]

فقال بعض نحويي البصرة : هي " أن " الثقيلة ، خففت وأضمر فيها ، ولا يستقيم أن تجعلها الخفيفة ، لأن بعدها اسما ، والخفيفة لا تليها الأسماء ، وقد قال الشاعر :


في فتية كسيوف الهند ، قد علموا أن هالك كل من يحفى وينتعل



وقال آخر :


أكاشره وأعلم أن كلانا     على ما ساء صاحبه حريص



قال : فمعناه : أنه كلانا . قال : ويكون كقوله : ( أن قد وجدنا ) ، في موضع " أي " ; وقوله : ( أن أقيموا ) ، [ سورة الشورى : 13 ] ، ولا تكون " أن " التي تعمل [ ص: 445 ] في الأفعال ، لأنك تقول : " غاظني أن قام " ، و " أن ذهب " ، فتقع على الأفعال ، وإن كانت لا تعمل فيها . وفي كتاب الله : ( وانطلق الملأ منهم أن امشوا ) [ سورة ص : 6 ] ، أي : امشوا .

وأنكر ذلك من قوله هذا بعض أهل الكوفة ، فقال : غير جائز أن يكون مع " أن " في هذا الموضع " هاء " مضمرة ، لأن " أن " دخلت في الكلام لتقي ما بعدها . قال : " وأن " هذه التي مع " تلكم " هي الدائرة التي يقع فيها ما ضارع الحكاية ، وليس بلفظ الحكاية ، نحو : " ناديت أنك قائم ، " و " أن زيدا قائم " و " أن قمت " ، فتلي كل الكلام ، وجعلت " أن " وقاية ، لأن النداء يقع على ما بعده ، وسلم ما بعد " أن " كما سلم ما بعد " القول " . ألا ترى أنك تقول : " قلت : زيد قائم ؟ ، و " قلت : قام " ، فتليها ما شئت من الكلام ، فلما كان النداء بمعنى " الظن " وما أشبهه من " القول " سلم ما بعد " أن " ، ودخلت " أن " وقاية . قال : وأما " أي " ، فإنها لا تكون على " أن " ، لا يكون " أي " جواب الكلام ، و " أن " تكفي من الاسم .

التالي السابق


الخدمات العلمية