الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله : ( رب ) .

قال أبو جعفر : قد مضى البيان عن تأويل اسم الله الذي هو "الله " ، في " بسم الله " ، فلا حاجة بنا إلى تكراره في هذا الموضع .

وأما تأويل قوله ( رب ) ، فإن الرب في كلام العرب منصرف على معان : فالسيد المطاع فيها يدعى ربا ، ومن ذلك قول لبيد بن ربيعة :


وأهلكن يوما رب كندة وابنه ورب معد ، بين خبت وعرعر



يعني برب كندة : سيد كندة . ومنه قول نابغة بني ذبيان :


تخب إلى النعمان حتى تناله     فدى لك من رب طريفي وتالدي



والرجل المصلح للشيء يدعى ربا ، ومنه قول الفرزدق بن غالب : [ ص: 142 ]


كانوا كسالئة حمقاء إذ حقنت     سلاءها في أديم غير مربوب



يعني بذلك : في أديم غير مصلح . ومن ذلك قيل : إن فلانا يرب صنيعته عند فلان; إذا كان يحاول إصلاحها وإدامتها ، ومن ذلك قول علقمة بن عبدة :


فكنت امرأ أفضت إليك ربابتي     وقبلك ربتني ، فضعت ، ربوب



يعني بقوله : "أفضت إليك " أي وصلت إليك ربابتي ، فصرت أنت الذي ترب أمري فتصلحه ، لما خرجت من ربابة غيرك من الملوك الذين كانوا قبلك علي ، فضيعوا أمري وتركوا تفقده - وهم الربوب : واحدهم رب . والمالك للشيء يدعى ربه . وقد يتصرف أيضا معنى "الرب " في وجوه غير ذلك ، غير أنها تعود إلى بعض هذه الوجوه الثلاثة .

فربنا جل ثناؤه : السيد الذي لا شبه له ، ولا مثل في سؤدده ، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه ، والمالك الذي له الخلق والأمر .

وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله جل ثناؤه ( رب العالمين ) ، جاءت الرواية عن ابن عباس : -

155 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا [ ص: 143 ] بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : قال جبريل لمحمد : "يا محمد قل : ( الحمد لله رب العالمين ) " ، قال ابن عباس : يقول : قل الحمد لله الذي له الخلق كله - السموات كلهن ومن فيهن ، والأرضون كلهن ومن فيهن وما بينهن ، مما يعلم ومما لا يعلم . يقول : اعلم يا محمد أن ربك هذا لا يشبهه شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية