الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما جاء في الإجبار والاستئمار 2660 - ( عن عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين ، وأدخلت عليه وهي بنت تسع سنين ومكثت عنده تسعا } متفق عليه وفي رواية { : تزوجها وهي بنت سبع سنين ، وزفت إليه وهي بنت تسع سنين } رواه أحمد ومسلم )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث أورده المصنف للاستدلال به على أنه يجوز للأب أن يزوج ابنته الصغيرة بغير استئذانها ، ولعله أخذ ذلك من عدم ذكر الاستئذان ، وكذلك صنع البخاري قال الحافظ : وليس بواضح الدلالة ، بل يحتمل أن يكون ذلك قبل ورود الأمر باستئذان البكر وهو الظاهر ، فإن القصة وقعت بمكة قبل الهجرة

                                                                                                                                            وفي الحديث أيضا دليل على أنه يجوز للأب أن يزوج ابنته قبل البلوغ قال المهلب : أجمعوا أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة [ ص: 144 ] البكر ولو كانت لا يوطأ مثلها ، إلا أن الطحاوي حكى عن ابن شبرمة منعه فيمن لا توطأ وحكى ابن حزم عن ابن شبرمة مطلقا أن الأب لا يزوج ابنته الصغيرة حتى تبلغ وتأذن ، وزعم أن تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين كان من خصائصه ويقابله تجويز الحسن والنخعي للأب أن يجبر ابنته كبيرة كانت أو صغيرة بكرا كانت أو ثيبا

                                                                                                                                            وفي الحديث أيضا دليل على أنه يجوز تزويج الصغيرة بالكبير ، وقد بوب لذلك البخاري وذكر حديث عائشة . وحكي في الفتح الإجماع على جواز ذلك قال : ولو كانت في المهد لكن لا يمكن منها حتى تصلح للوطء

                                                                                                                                            2661 - ( وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الثيب أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن في نفسها ، وإذنها صماتها } رواه الجماعة إلا البخاري وفي رواية لأحمد ومسلم وأبي داود والنسائي : { والبكر يستأمرها أبوها } .

                                                                                                                                            وفي رواية لأحمد والنسائي : { واليتيمة تستأذن في نفسها } وفي رواية لأبي داود والنسائي : { ليس للولي مع الثيب أمر ، واليتيمة تستأمر ، وصمتها إقرارها } ) .

                                                                                                                                            2662 - ( وعن خنساء بنت خذام الأنصارية : { أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها } أخرجه الجماعة إلا مسلما ) .

                                                                                                                                            2663 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، ولا البكر حتى تستأذن ، قالوا : يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت } رواه الجماعة ) .

                                                                                                                                            2664 - ( وعن عائشة قالت : { قلت : يا رسول الله : تستأمر النساء في أبضاعهن ؟ قال : نعم ، قلت : إن البكر تستأمر فتستحي فتسكت ، فقال : سكاتها إذنها } وفي رواية قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { البكر تستأذن ، قلت : إن البكر تستأذن وتستحي ، قال : إذنها صماتها } متفق عليهما ) [ ص: 145 ]

                                                                                                                                            2665 - ( وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { تستأمر اليتيمة في نفسها ، فإن سكتت فقد أذنت ، وإن أبت لم تكره } رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            2666 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { تستأمر اليتيمة في نفسها ، فإن سكتت فهو إذنها ، وإن أبت فلا جواز عليها } رواه الخمسة إلا ابن ماجه ) .

                                                                                                                                            2667 - ( وعن ابن عباس : { أن جارية بكرا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة ، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم } رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني ، ورواه الدارقطني أيضا عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وذكر أنه أصح ) .

                                                                                                                                            2668 - ( وعن ابن عمر قال : { توفي عثمان بن مظعون وترك ابنة له من خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص ، وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون ، قال عبد الله : وهما خالاي ، فخطبت إلى قدامة بن مظعون ابنة عثمان بن مظعون فزوجنيها ، ودخل المغيرة بن شعبة ، يعني إلى أمها فأرغبها في المال ، فحطت إليه وحطت الجارية إلى هوى أمها ، فأبتا حتى ارتفع أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال قدامة بن مظعون : يا رسول الله ابنة أخي أوصى بها إلي فزوجتها ابن عمتها فلم أقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة ، ولكنها امرأة وإنما حطت إلى هوى أمها ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها ، قال : فانتزعت والله مني بعد أن ملكتها فزوجوها المغيرة بن شعبة } رواه أحمد والدارقطني وهو دليل على أن اليتيمة لا يجبرها وصي ولا غيره ) .

                                                                                                                                            2669 - ( وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { آمروا النساء في بناتهن } رواه أحمد وأبو داود ) .

                                                                                                                                            [ ص: 146 ] حديث أبي موسى أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وأبو يعلى والدارقطني والطبراني : قال في مجمع الزوائد : ورجال أحمد رجال الصحيح

                                                                                                                                            وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي .

                                                                                                                                            وحديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن أبي شيبة قال الحافظ : ورجاله ثقات ، وأعل بالإرسال وبتفرد جرير بن حازم عن أيوب ، وبتفرد حسين عن جرير وأجيب بأن أيوب بن سويد رواه عن الثوري عن أيوب موصولا ، وكذلك رواه معمر بن سليمان الرقي عن زيد بن حباب عن أيوب موصولا ، وإذا اختلف في وصل الحديث وإرساله حكم لمن وصله على طريقة الفقهاء ، وعن الثاني بأن جريرا توبع عن أيوب كما ترى ، وعن الثالث بأن سليمان بن حرب تابع حسين بن محمد عن جرير وانفصل البيهقي عن ذلك بأنه محمول على أنه زوجها من غير كفء

                                                                                                                                            وحديث ابن عمر الأول أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه قال في مجمع الزوائد : ورجال أحمد ثقات . وحديثه الثاني فيه رجل مجهول وفي الباب عن جابر عند النسائي وعن عائشة غير ما ذكره المصنف عند النسائي أيضا . قوله : ( يستأمرها أبوها ) الاستئمار : طلب الأمر ، والمعنى : لا يعقد عليها حتى يطلب الأمر منها قوله : ( خنساء بنت خذام ) هي بخاء معجمة ثم نون مهملة على وزن حمراء ، وأبوها بكسر الخاء المعجمة وتخفيف المهملة ، كذا في الفتح

                                                                                                                                            قوله : { لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، ولا البكر حتى تستأذن } عبر للثيب بالاستئمار والبكر بالاستئذان ، فيؤخذ منه فرق بينهما من جهة أن الاستئمار يدل على تأكيد المشاورة وجعل الأمر إلى المستأمر ، ولهذا يحتاج الولي إلى صريح إذنها ، فإذا صرحت بمنعه امتنع اتفاقا ، والبكر بخلاف ذلك ، والإذن دائر بين القول والسكوت ، بخلاف الأمر فإنه صريح في القول ، هكذا في الفتح ، ويعكر عليه ما في رواية حديث ابن عباس من أن البكر يستأمرها أبوها ، وأن اليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها

                                                                                                                                            وفي حديث عائشة : " أن البكر تستأمر . . . إلخ " وكذلك في حديث أبي موسى وأبي هريرة قوله : ( فحطت إليه ) أي مالت وأسرعت بفتح الحاء المهملة وتشديد الطاء المهملة أيضا . وقد استدل بأحاديث الباب على اعتبار الرضا من المرأة التي يراد تزويجها ، وأنه لا بد من صريح الإذن من الثيب ويكفي السكوت من البكر ; والمراد بالبكر التي أمر الشارع باستئذانها هي البالغة ، إذ لا معنى لاستئذان الصغيرة لأنها لا تدري ما الإذن قال ابن المنذر : يستحب إعلام البكر أن سكوتها إذن ، لكن لو قالت بعد العقد : ما علمت أن صمتي إذن لم يبطل العقد بذلك عند الجمهور ، وأبطله بعض المالكية وقال ابن شعبان منهم : يقال لها ذلك ثلاثا : إن رضيتي فاسكتي ، وإن كرهتي فانطقي

                                                                                                                                            ونقل ابن عبد البر عن مالك أن سكوت البكر اليتيمة قبل إذنها وتفويضها لا يكون رضا منها ، بخلاف ما إذا [ ص: 147 ] كان بعد تفويضها إلى وليها ، وخص بعض الشافعية الاكتفاء بسكوت البكر البالغ بالنسبة إلى الأب والجد دون غيرهما لأنها تستحي منهما أكثر من غيرهما والصحيح الذي عليه الجمهور استعمال الحديث في جميع الأبكار وظاهر أحاديث الباب أن البكر البالغة إذا زوجت بغير إذنها لم يصح العقد ، وإليه ذهب الأوزاعي والثوري والعترة والحنفية ، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم

                                                                                                                                            وذهب مالك والشافعي والليث وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق إلى أنه يجوز للأب أن يزوجها بغير استئذان ويرد عليهم ما في أحاديث الباب من قوله : { والبكر يستأمرها أبوها } ويرد عليهم أيضا حديث عبد الله بن بريدة الذي سيأتي في باب ما جاء في الكفاءة وأما ما احتجوا به من مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم : { الثيب أحق بنفسها من وليها } فدل على أن ولي البكر أحق بها منها فيجاب عنه بأن المفهوم لا ينتهض للتمسك به في مقابلة المنطوق وقد أجابوا عن دليل أهل القول الأول بما قاله الشافعي من أن المؤامرة قد تكون على استطابة النفس

                                                                                                                                            ويؤيده حديث ابن عمر المذكور بلفظ : { وآمروا النساء في بناتهن } قال : ولا خلاف أنه ليس للأم أمر لكنه على معنى استطابة النفس وقال البيهقي : زيادة ذكر الأب في حديث ابن عباس غير محفوظة قال الشافعي : زادها ابن عيينة في حديث ، وكان ابن عمر والقاسم وسالم يزوجون الأبكار لا يستأمرونهن قال الحافظ : وهذا لا يدفع زيادة الثقة الحافظ انتهى

                                                                                                                                            وأجاب بعضهم بأن المراد بالبكر المذكورة في حديث ابن عباس : اليتيمة ، لما وقع في الرواية الأخرى من حديثه ، واليتيمة تستأمر فيحمل المطلق على المقيد وأجيب بأن اليتيمة هي البكر ، وأيضا الروايات الواردة بلفظ : تستأمر وتستأذن ، بضم أوله هي تفيد مفاد قوله : " يستأمرها أبوها " وزيادة لأنه يدخل فيه الأب وغيره فلا تعارض بين الروايات . ومما يؤيد ما ذهب إليه الأولون حديث ابن عباس المذكور : " أن جارية بكرا . . . إلخ " وأما الثيب فلا بد من رضاها من غير فرق بين أن يكون الذي زوجها هو الأب أو غيره وقد حكي في البحر الإجماع على اعتبار رضاها

                                                                                                                                            وحكي أيضا الإجماع على أنه لا بد من تصريحها بالرضا بنطق أو ما في حكمه . والظاهر أن استئذان الثيب والبكر شرط في صحة العقد لرده صلى الله عليه وسلم لنكاح خنساء بنت خذام كما في الحديث المذكور ، وكذلك تخييره صلى الله عليه وسلم للجارية كما في حديث ابن عباس المذكور ، وكذلك حديث ابن عمر المذكور أيضا ويدل على ذلك أيضا حديث أبي هريرة المذكور لما فيه من النهي وظاهر قوله : { الثيب أحق بنفسها } أنه لا فرق بين الصغيرة والكبيرة وبين من زالت بكارتها بوطء حلال أو حرام وخالف في ذلك أبو حنيفة ، فقال : هي كالبكر ، واحتج بأن علة الاكتفاء بسكوت البكر هي الحياء وهو باق فيمن زالت بكارتها بزنى ; لأن المسألة مفروضة فيمن لم تتخذ الزنى ديدنا [ ص: 148 ] وعادة

                                                                                                                                            وأجيب بأن الحديث نص على أن الحياء يتعلق بالبكر ، وقابلها بالثيب فدل على أن حكمها مختلف ، وهذه ثيب لغة وشرعا ، وأما بقاء حيائها كالبكر فممنوع




                                                                                                                                            الخدمات العلمية