الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة )

قال أبو جعفر : يقول الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل ، يا محمد لهؤلاء الذين أمرتك أن تقول لهم : ( من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) ، إذ عيوا بالجواب ، فلم يدروا ما يجيبونك : زينة الله التي أخرج لعباده ، وطيبات رزقه ، للذين صدقوا الله ورسوله ، واتبعوا ما أنزل إليك من ربك ، في الدنيا ، وقد شركهم في ذلك فيها من كفر بالله ورسوله وخالف [ ص: 399 ] أمر ربه ، وهي للذين آمنوا بالله ورسوله خالصة يوم القيامة ، لا يشركهم في ذلك يومئذ أحد كفر بالله ورسوله وخالف أمر ربه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

14540 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، يقول : شارك المسلمون الكفار في الطيبات ، فأكلوا من طيبات طعامها ، ولبسوا من خيار ثيابها ، ونكحوا من صالح نسائها ، وخلصوا بها يوم القيامة .

14541 - وحدثني به المثنى مرة أخرى بهذا الإسناد بعينه ، عن ابن عباس فقال : ( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ) ، يعني : يشارك المسلمون المشركين في الطيبات في الحياة الدنيا ، ثم يخلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا ، وليس للمشركين فيها شيء .

14542 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، يقول : قل هي في الآخرة خالصة لمن آمن بي في الدنيا ، لا يشركهم فيها أحد في الآخرة . وذلك أن الزينة في الدنيا لكل بني آدم ، فجعلها الله خالصة لأوليائه في الآخرة .

14543 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن [ ص: 400 ] الضحاك : ( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، قال : اليهود والنصارى يشركونكم فيها في الدنيا ، وهي للذين آمنوا خالصة يوم القيامة .

14544 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن : ( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، خالصة للمؤمنين في الآخرة ، لا يشاركهم فيها الكفار . فأما في الدنيا فقد شاركوهم .

14545 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، من عمل بالإيمان في الدنيا خلصت له كرامة الله يوم القيامة ، ومن ترك الإيمان في الدنيا قدم على ربه لا عذر له .

14546 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ) ، يشترك فيها معهم المشركون ( خالصة يوم القيامة ) ، للذين آمنوا .

14547 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، يقول : المشركون يشاركون المؤمنين في الدنيا في اللباس والطعام والشراب ، ويوم القيامة يخلص اللباس والطعام والشراب للمؤمنين ، وليس للمشركين في شيء من ذلك نصيب .

14548 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : الدنيا يصيب منها المؤمن والكافر ، ويخلص خير الآخرة للمؤمنين ، وليس للكافر فيها نصيب .

14549 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : ( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، قال : هذه يوم [ ص: 401 ] القيامة للذين آمنوا ، لا يشركهم فيها أهل الكفر ، ويشركونهم فيها في الدنيا . وإذا كان يوم القيامة ، فليس لهم فيها قليل ولا كثير .

وقال سعيد بن جبير في ذلك بما : -

14550 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا إسماعيل بن أبان ، وحبويه الرازي أبو يزيد ، عن يعقوب القمي ، عن سعيد بن جبير : ( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، قال : ينتفعون بها في الدنيا ، ولا يتبعهم إثمها .

واختلفت القرأة في قراءة قوله : " خالصة " .

فقرأ ذلك بعض قرأة المدينة : " خالصة " ، برفعها ، بمعنى : قل هي خالصة للذين آمنوا .

وقرأه سائر قرأة الأمصار : ( خالصة ) ، بنصبها على الحال من " لهم " ، وقد ترك ذكرها من الكلام اكتفاء منها بدلالة الظاهر عليها ، على ما قد وصفت في تأويل الكلام أن معنى الكلام : قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا مشتركة ، وهي لهم في الآخرة خالصة . ومن قال ذلك بالنصب ، جعل خبر " هي " في قوله : ( للذين آمنوا )

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين عندي بالصحة ، قراءة من قرأ نصبا ، لإيثار العرب النصب في الفعل إذا تأخر بعد الاسم والصفة ، وإن كان الرفع جائزا ، غير أن ذلك أكثر في كلامهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية