الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب لا نكاح إلا بولي 2657 - ( عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا نكاح إلا بولي } .

                                                                                                                                            2658 - ( وعن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ; فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن اشتجرا فالسلطان ولي من لا ولي له } رواهما الخمسة إلا النسائي وروى الثاني أبو داود الطيالسي ولفظه : { لا نكاح إلا بولي وأيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل ، فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له } )

                                                                                                                                            2659 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تزوج المرأة المرأة ، [ ص: 142 ] ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها } رواه ابن ماجه والدارقطني ) .

                                                                                                                                            وعن عكرمة بن خالد قال : جمعت الطريق ركبا ، فجعلت امرأة منهن ثيب أمرها بيد رجل غير ولي فأنكحها ، فبلغ ذلك عمر ، فجلد الناكح والمنكح ورد نكاحها رواه الشافعي والدارقطني .

                                                                                                                                            وعن الشعبي قال : ما كان أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أشد في النكاح بغير ولي من علي ، كان يضرب فيه رواه الدارقطني )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أبي موسى أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه ، وذكر له الحاكم طرقا قال : وقد صحت الرواية فيه عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش ، ثم سرد تمام ثلاثين صحابيا ، وقد جمع الدمياطي طرقه من المتأخرين وقد اختلف في وصله وإرساله ، فرواه شعبة والثوري عن أبي إسحاق مرسلا ، ورواه إسرائيل عنه فأسنده ، وأبو إسحاق مشهور بالتدليس ، وأسند الحاكم من طريق علي بن المديني ومن طريق البخاري والذهلي وغيرهم أنهم صححوا حديث إسرائيل .

                                                                                                                                            وحديث عائشة أخرجه أيضا أبو عوانة وابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي وقد أعل بالإرسال وتكلم فيه بعضهم من جهة ابن جريج ، قال : ثم لقيت الزهري فسألته عنه فأنكره وقد عد أبو القاسم بن منده عدة من رواه عن ابن جريج فبلغوا عشرين رجلا ، وذكر أن معمرا وعبيد الله بن زحر تابعا ابن جريج على روايته إياه عن سليمان بن موسى ، وأن قرة وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق وأيوب بن موسى وهشام بن سعد وجماعة تابعوا سليمان بن موسى عن الزهري قال : ورواه أبو مالك الجنبي ونوح بن دراج ومندل وجعفر بن برقان وجماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وقد أعل ابن حبان وابن عدي وابن عبد البر والحاكم وغيره الحكاية عن ابن جريج إنكار الزهري ، وعلى تقدير الصحة لا يلزم من نسيان الزهري له أن يكون سليمان بن موسى وهم فيه

                                                                                                                                            وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا البيهقي قال ابن كثير : الصحيح وقفه على أبي هريرة وقال الحافظ : رجاله ثقات ، وفي لفظ للدارقطني : " كنا نقول : التي تزوج نفسها هي الزانية " قال الحافظ : فتبين أن هذه الزيادة من قول أبي هريرة وكذلك رواها البيهقي موقوفة في طريق ورواها مرفوعة في أخرى .

                                                                                                                                            وفي الباب عن ابن عباس عند أحمد وابن ماجه والطبراني بلفظ : { لا نكاح إلا بولي } وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف ومداره عليه قال الحافظ : وغلط بعض الرواة فرواه عن ابن المبارك عن خالد الحذاء عن عكرمة ، والصواب حجاج بدل خالد وعن أبي بردة عند أبي داود الطيالسي بلفظ حديث ابن عباس وعن غيرهما كما تقدم في كلام الحاكم

                                                                                                                                            قوله : ( لا نكاح إلا بولي ) هذا النفي يتوجه إما إلى الذات [ ص: 143 ] الشرعية ; لأن الذات الموجودة أعني صورة العقد بدون ولي ليست بشرعية ، أو يتوجه إلى الصحة التي هي أقرب المجازين إلى الذات ، فيكون النكاح بغير ولي باطلا كما هو مصرح بذلك في حديث عائشة المذكور ، وكما يدل عليه حديث أبي هريرة المذكور ; لأن النهي يدل على الفساد المرادف للبطلان . وقد ذهب إلى هذا علي وعمر وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وأبو هريرة وعائشة والحسن البصري وابن المسيب وابن شبرمة وابن أبي ليلى والعترة وأحمد وإسحاق والشافعي وجمهور أهل العلم فقالوا : لا يصح العقد بدون ولي

                                                                                                                                            قال ابن المنذر : إنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك وحكي في البحر عن أبي حنيفة أنه لا يعتبر الولي مطلقا لحديث : { الثيب أحق بنفسها من وليها } وسيأتي وأجيب بأن المراد اعتبار الرضا منها جمعا بين الأخبار ، كذا في البحر . وعن أبي يوسف ومحمد : للولي الخيار في غير الكفء وتلزمه الإجازة في الكفء وعن مالك : يعتبر الولي في الرفيعة دون الوضيعة . وأجيب عن ذلك بأن الأدلة لم تفصل . وعن الظاهرية أنه يعتبر في البكر فقط وأجيب عنه بمثل ما أجيب به عن الذي قبله

                                                                                                                                            وقال أبو ثور : يجوز لها أن تزوج نفسها بإذن وليها أخذا بمفهوم قوله { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها } ويجاب عن ذلك بحديث أبي هريرة المذكور والمراد بالولي هو الأقرب من العصبة من النسب ثم من السبب ثم من عصبته ، وليس لذوي السهام ولا لذوي الأرحام ولاية ، وهذا مذهب الجمهور وروي عن أبي حنيفة أن ذوي الأرحام من الأولياء ، فإذا لم يكن ثم ولي أو كان موجودا وعضل انتقل الأمر إلى السلطان لأنه ولي من لا ولي له كما أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس ، وفي إسناده الحجاج بن أرطاة




                                                                                                                                            الخدمات العلمية