الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب صفة المرأة التي تستحب خطبتها 2626 - ( عن أنس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول : تزوجوا الودود الولود ، فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة } ) .

                                                                                                                                            2627 - ( وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { : انكحوا أمهات الأولاد فإني أباهي بكم يوم القيامة } رواهما أحمد )

                                                                                                                                            [ ص: 125 ] وعن معقل بن يسار قال : { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وإنها لا تلد أفأتزوجها ؟ قال : لا ثم أتاه الثانية فنهاه ، ثم أتاه الثالثة ، فقال : تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم } رواه أبو داود والنسائي )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أنس أخرجه أيضا ابن حبان وصححه ، وذكره في مجمع الزوائد في موضعين فقال في أحدهما : رواه أحمد والطبراني في الأوسط من طريق حفص بن عمر عن أنس ، وقد ذكره ابن أبي حاتم ، وروى عنه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح وقال في موضع آخر : وإسناده حسن وحديث عبد الله بن عمرو أشار إليه الترمذي . وقال في مجمع الزوائد : وفيه جرير بن عبد الله العامري ، وقد وثق وهو ضعيف . وحديث معقل أخرجه أيضا ابن حبان وصححه الحاكم

                                                                                                                                            وفي الباب أحاديث قد تقدمت الإشارة إليها ، وقد تقدم تفسير التبتل والولود : كثيرة الولد ، والودود : المودودة ، لما عليه من حسن الخلق والتودد إلى الزوج وهو فعول بمعنى مفعول ، والمكاثرة يوم القيامة : إنما تكون بكثرة أمته صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                            وهذه الأحاديث وما في معناها تدل على مشروعية النكاح ومشروعية أن تكون المنكوحة ولودا قال الحافظ في الفتح بعد أن ذكر بعض أحاديث الباب ما لفظه : وهذه الأحاديث وإن كان في الكثير منها ضعف فمجموعها يدل على أن لما يحصل به المقصود من الترغيب في التزويج أصلا ، . لكن في حق من يتأتى منه النسل انتهى ، وقد تقدم الكلام على أقسام النكاح .

                                                                                                                                            2629 - ( وعن جابر : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : يا جابر تزوجت بكرا أم ثيبا ؟ قال : ثيبا ، فقال : هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك ؟ } رواه الجماعة )

                                                                                                                                            2630 - ( وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { تنكح المرأة لأربع لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك } رواه الجماعة إلا الترمذي ) [ ص: 126 ]

                                                                                                                                            2631 - ( وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها ، فعليك بذات الدين تربت يداك } رواه مسلم والترمذي وصححه ) قوله : ( بكرا ) هي التي لم توطأ ، والثيب : هي التي قد وطئت . قوله : ( تلاعبها وتلاعبك ) زاد البخاري في رواية له في النفقات : { وتضاحكها وتضاحكك } وفي رواية لأبي عبيد : { تداعبها وتداعبك } بالدال المهملة مكان اللام

                                                                                                                                            وفيه دليل على استحباب نكاح الأبكار إلا لمقتض لنكاح الثيب كما وقع لجابر فإنه { قال النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له ذلك : هلك أبي وترك سبع بنات أو تسع بنات فتزوجت ثيبا كرهت أن أجيئهن بمثلهن فقال : بارك الله لك : } هكذا في البخاري في النفقات وفي رواية له ذكرها في المغازي من صحيحه : { كن لي تسع أخوات فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن ، ولكن امرأة تقوم عليهن وتمشطهن ، قال : أصبت } قوله : ( تنكح المرأة لأربع ) أي لأجل أربع

                                                                                                                                            قوله : ( لحسبها ) بفتح الحاء والسين المهملتين بعدهما باء موحدة : أي شرفها والحسب في الأصل الشرف بالآباء وبالأقارب ، مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها ، فيحكم لمن زاد عدده على غيره وقيل : المراد بالحسب ههنا الأفعال الحسنة وقيل : المال وهو مردود بذكره قبله ، ويؤخذ منه أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة إلا إن تعارض : نسيبة غير دينة ، وغير نسيبة دينة ، فتقدم ذات الدين ، وهكذا في كل الصفات وأما ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه : { إن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال } فقال الحافظ : يحتمل أن يكون المراد أنه حسب من لا حسب له ، فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له

                                                                                                                                            ومنه حديث سمرة رفعه : " الحسب : المال . والكرم : التقوى " أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم قوله : ( وجمالها ) يؤخذ منه استحباب نكاح الجميلة ، ويلحق بالجمال في الذات الجمال في الصفات قوله : ( فاظفر بذات الدين ) فيه دليل على أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء لا سيما فيما تطول صحبته كالزوجة ، وقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو عند ابن ماجه والبزار والبيهقي رفعه : { لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن يرديهن ، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ، ولكن تزوجوهن على الدين ، ولأمة سوداء ذات دين أفضل } ولهذا قيل : إن معنى حديث الباب الإخبار منه صلى الله عليه وسلم بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع ، [ ص: 127 ] وآخرها عندهم ذات الدين فاظفر أيها المسترشد بذات الدين

                                                                                                                                            قوله : ( تربت يداك ) أي لصقت بالتراب : وهي كناية عن الفقر قال الحافظ : وهو خبر بمعنى الدعاء لكن لا يراد به حقيقته ، وبهذا جزم صاحب العمدة ، وزاد غيره أن صدور ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في حق مسلم لا يستجاب لشرطه ذلك على ربه وحكى ابن العربي أن المعنى استغنت ورد بأن المعروف أترب إذا استغنى ، وترب إذا افتقر وقيل : معناه ضعف عقلك ، وقيل : افتقرت من العلم ، وقيل : فيه شرط مقدر : أي وقع لك ذلك إن لم تفعل ، ورجحه ابن العربي وقيل : معنى تربت : خابت

                                                                                                                                            قال القرطبي : معنى الحديث أن هذه الخصال الأربع هي التي يرغب في نكاح المرأة لأجلها فهو خبر عما في الوجود من ذلك لا أنه وقع الأمر به ، بل ظاهره إباحة النكاح لقصد كل من ذلك قال : ولا يظن من هذا الحديث أن هذه الأربع يؤخذ منها الكفاءة : أي تنحصر فيها فإن ذلك لم يقل به أحد فيما علمت وإن كانوا اختلفوا في الكفاءة ما هي ، وسيأتي الكلام على الكفاءة




                                                                                                                                            الخدمات العلمية