الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا

إعادة النداء لزيادة تأكيد ما أفاده النداء الأول والثاني . والمراد بعبادة الشيطان عبادة الأصنام ، عبر عنها بعبادة الشيطان إفصاحا عن فسادها وضلالها ، فإن نسبة الضلال والفساد إلى الشيطان مقررة في نفوس البشر ، ولكن الذين يتبعونه لا يفطنون إلى حالهم ويتبعون وساوسه تحت ستار التمويه مثل قولهمإنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ، ففي الكلام إيجاز لأن معناه : لا تعبد الأصنام لأن اتخاذها من تسويل الشيطان للذين اتخذوها ووضعوها للناس ، وعبادتها من وساوس الشيطان للذين سنوا سنن عبادتها ، ومن وساوسه للناس الذين أطاعوهم في عبادتها ، فمن عبد الأصنام فقد عبد الشيطان وكفى بذلك ضلالا معلوما .

وهذا كقوله تعالى وإن يدعون إلا شيطانا مريدا . وتقدم في سورة النساء . وفي هذا تبغيض لعبادة الأصنام ، لأن في قرارة نفوس الناس بغض الشيطان والحذر من كيده .

[ ص: 117 ] وجملة إن الشيطان كان للرحمن عصيا تعليل للنهي عن عبادته وعبادة آثار وسوسته بأنه شديد العصيان للرب الواسع الرحمة . وذكر وصف عصيا الذي هو من صيغ المبالغة في العصيان مع زيادة فعل كان للدلالة على أنه لا يفارق عصيان ربه وأنه متمكن منه ، فلا جرم أنه لا يأمر إلا بما ينافي الرحمة ، أي بما يفضي إلى النقمة ، ولذلك اختير وصف الرحمن من بين صفات الله تعالى تنبيها على أن عبادة الأصنام توجب غضب الله فتفضي إلى الحرمان من رحمته ، فمن كان هذا حاله فهو جدير بأن لا يتبع .

وإظهار اسم الشيطان في مقام الإضمار ، إذ لم يقل : إنه كان للرحمن عصيا ، لإيضاح إسناد الخبر إلى المسند إليه ، ولزيادة التنفير من الشيطان ، لأن في ذكر صريح اسمه تنبيها إلى النفرة منه ، ولتكون الجملة موعظة قائمة بنفسها . وتقدم الكلام على يا أبت قريبا .

التالي السابق


الخدمات العلمية