الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 38 ] ( ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ( 44 ) إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ( 45 ) )

                                                                                                                                                                                                                                      ( ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين ( 46 ) )

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ) يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم ( ذلك ) الذي ذكرت من حديث زكريا ويحيى ومريم وعيسى ( من أنباء الغيب ) أي من أخبار الغيب ( نوحيه إليك ) رد الكناية إلى ذلك فلذلك ذكره ( وما كنت ) يا محمد ( لديهم إذ يلقون أقلامهم ) سهامهم في الماء للاقتراع ( أيهم يكفل مريم ) يحضنها ويربيها ( وما كنت لديهم إذ يختصمون ) في كفالتها .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم ) إنما قال : اسمه رد الكناية إلى عيسى واختلفوا في أنه لم سمي مسيحا ، منهم من قال : هو فعيل بمعنى المفعول يعني أنه مسح من الأقذار وطهر من الذنوب ، وقيل : لأنه مسح بالبركة ، وقيل : لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن ، وقيل مسحه جبريل بجناحه حتى لم يكن للشيطان عليه سبيل ، وقيل : لأنه كان مسيح القدم لا أخمص له ، وسمي الدجال مسيحا لأنه كان ممسوح إحدى العينين ، وقال بعضهم هو فعيل بمعنى الفاعل ، مثل عليم وعالم قال ابن عباس رضي الله عنهما سمي مسيحا لأنه ما مسح ذا عاهة إلا برأ ، وقيل : سمي بذلك لأنه كان يسيح في الأرض ولا يقيم في مكان ، وعلى هذا القول تكون الميم فيه زائدة وقال إبراهيم النخعي : المسيح الصديق ويكون المسيح بمعنى الكذاب وبه سمي الدجال والحرف من الأضداد ( وجيها ) أي : شريفا رفيعا ذا جاه وقدر ( في الدنيا والآخرة ومن المقربين ) عند الله

                                                                                                                                                                                                                                      ( ويكلم الناس في المهد ) صغيرا قبل أوان الكلام كما ذكره في سورة مريم قال : " إني عبد الله آتاني الكتاب " ( الآية - 30 ) وحكي عن مجاهد قال : قالت مريم : كنت إذا خلوت أنا وعيسى حدثني وحدثته فإذا شغلني عنه إنسان سبح في بطني وأنا أسمع قوله ( وكهلا ) قال مقاتل : يعني إذا اجتمع قبل أن يرفع إلى السماء وقال الحسين بن الفضل : ( وكهلا ) بعد نزوله من السماء وقيل : أخبرها أنه يبقى حتى يكتهل ، وكلامه بعد الكهولة إخباره عن الأشياء المعجزة ، وقيل : ( وكهلا ) نبيا بشرها بنبوة عيسى عليه السلام وكلامه في المهد معجزة وفي الكهولة دعوة وقال مجاهد : ( وكهلا ) أي حليما . والعرب تمدح الكهولة لأنها الحالة الوسطى في احتناك السن واستحكام العقل وجودة الرأي والتجربة ( ومن الصالحين ) [ ص: 39 ] أي : هو من العباد الصالحين

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية