الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( باب صلاة الاستسقاء ) هو لغة طلب السقيا وشرعا طلب السقيا من الله تعالى عند الحاجة إليها وسقاه وأسقاه بمعنى ، والأصل فيها فعله صلى الله عليه وسلم لها وكذا الخلفاء بعده ( هي سنة ) مؤكدة لكل أحد كالعيد بأنواعها الثلاثة أدناها مجرد الدعاء وأوسطها الدعاء خلف الصلوات ولو نفلا [ ص: 66 ] وفي نحو خطبة الجمعة قال في الأنوار ويتحول فيها للقبلة عند الدعاء ويحول رداءه واعترض بأنه من تفرده مع أنه صلى الله عليه وسلم استسقى فيها ولم يفعله وأيضا استقبال القبلة فيها مكروه بل مبطل على وجه ثم رأيت بعضهم نقل عنه أنه عبر بيجوز وهو الذي رأيته في نسخة ثم قال بل الذي يتجه ندبه وحينئذ فالاعتراض إنما يتجه على الثاني وأكملها الاستسقاء بخطبتين وركعتين على الكيفية الآتية لثبوتها في الصحيحين وغيرهما وليس في القرآن ما ينفيها إذ ترتيب نزول المطر على الاستغفار المأمور به فيه على لسان نوح وهود صلى الله على نبينا وعليهما وسلم المراد به الإيمان وحقيقته لا ينفي ندب الاستسقاء لانقطاعه الثابت في الأحاديث التي كادت أن تتواتر على أن الأصح في الأصول أن شرع من قبلنا ليس بشرع لنا وبتسليمه فمحله ما لم يرد في شرعنا ما يخالفه ( عند الحاجة ) للماء لفقده أو ملوحته أو قلته بحيث لا يكفي أو لزيادته التي بها نفع ، وإن كان المحتاج لذلك طائفة مسلمين قليلة فيسن لغيرهم الاستسقاء لهم ولو بالصلاة .

                                                                                                                              نعم إن كانوا فسقة أو مبتدعة لم يفعل لهم على ما بحث [ ص: 67 ] لئلا تظن العامة حسن طريقتهم وجعل شارح من ذلك الحاجة إلى طلوع الشمس ويوجه بأن حبسها يمنع فائدة السقيا لمنعه نمو النبت ، والثمر فكان طلوعها من تتمة الاستسقاء ويمكن أن يقال : إنه من نحو الزلزال الذي مر فيه أنه يصلى له فرادى وهذا هو الأوجه ثم رأيت في كلامهم ما يرد الأول ( وتعاد ) بأنواعها ( ثانيا وثالثا ) وهكذا ( إن لم يسقوا ) حتى يسقيهم الله تعالى من فضله لخبر { إن الله يحب الملحين في الدعاء } ، وإن ضعف ثم إذا أرادوا إعادتها بالصلاة ، والخطبة إن لم يشق عليهم الخروج من غد كل خرجة خرج بهم صياما ، وإن شق ورأى التأخير أياما صام بهم ثلاثا وخرج بهم في الرابع صياما وهكذا .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( باب صلاة الاستسقاء ) . فرع أخبر معصوم بالقطع باستجابة دعاء شخص في الحال واضطر الناس للسقيا فهل يجب عليه الدعاء بالسقيا أو لا .

                                                                                                                              ( قوله : في المتن هي سنة ) أي وتجب بأمر الإمام وحينئذ تجب نية الفرضية كما ذكره في شرح العباب ، فإنه لما ذكر أن الأوجه أن الصوم بأمر الإمام يجب ظاهرا وباطنا ويشترط تبييت كما يصرح به كلامهم في الصيام قال ما نصه ومن احتج لعدم الوجوب بأن صلاة الاستسقاء تجب بأمر الإمام ولم يقل أحد بوجوب نية الفرضية فيها فقد أبعد ؛ لأن القائلين بوجوب الصلاة بأمره إنما تركوا التصريح بوجوب نية [ ص: 66 ] الفرضية اتكالا على كونه معلوما من كلامهم في باب صفة الصلاة وكون الوجوب هنا لعارض ومن ثم لم يستقر في الذمة بخلاف المنذور لا ينافي ذلك ؛ لأن ملحظ النية التمييز وهو في الواجب لا يحصل إلا بالتعرض للفريضة سواء أوجب قضاؤه أم لا ؛ لأن وجوب القضاء وعدمه لا دخل له في المقصود من النية ا هـ وقال بعد ذلك بعد أن قرر وجوب الصوم بأمر الإمام ورد تمسكهم بالنص على عدم وجوبه وحكاية قول العباب والنص يقتضي خلافه أي عدم الوجوب ما نصه وعلى التنزل فهو أي النص محمول بقرينة كلامه أي الشافعي في باب البغاة على ما إذا لم يأمرهم الإمام بذلك ويدل له قولهم إذا أمرهم بالاستسقاء في الجدب وجبت طاعته فيقاس الصوم بالصلاة وبذلك يدفع قول ابن العماد قضية الاقتصار على الصوم عدم وجوب الخروج والصلاة بأمره إلى آخر ما أطال به ( قوله : المراد به الإيمان ) لا يقال فيه مناقشة ؛ لأنه إن كان صفة أخرى للاستغفار صار المبتدأ أعني " ترتيب " بلا خبر أو خبرا له لم يصح الإخبار ؛ لأنا نقول مبنى المناقشة أن حقيقته مبتدأ خبره ما بعده وهو ممنوع [ ص: 67 ] لجواز عطفه على الإيمان والهاء للاستغفار وقوله لا ينفي إلخ خبر ترتيب تأمل .

                                                                                                                              ( قوله : لئلا تظن العامة إلخ ) انظر على هذا لو أمن هذا الظن ( قوله : ويوجه إلخ ) قد يقال أيضا أن حبسها في معنى كسوفها ( قوله : وإن ضعف ) أي ؛ لأنه يعمل بالضعيف في الفضائل .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( باب صلاة الاستسقاء ) . أي وما يتبع ذلك ككراهة سب الريح ع ش ( قوله : هو لغة ) إلى قوله وليس في النهاية والمغني إلا قوله قال إلى وأكملها ( قوله : هو لغة طلب السقيا ) أي مطلقا من الله تعالى أو من غيره لحاجة أو بدونها ( قوله : وشرعا طلب السقيا ) أي سقيا العباد كلا أو بعضا ع ش ( قوله : والأصل فيها إلخ ) أي قبل الإجماع نهاية ومغني قال ع ش أي في الجملة فلا ينافي أن بعض أنواعه مختلف فيه ا هـ قول المتن ( هي سنة ) أي وتجب بأمر الإمام وحينئذ تجب نية الفرضية كما ذكره في شرح العباب سم أي وفي الإمداد كردي على بافضل قال البجيرمي ومحل كونها سنة مؤكدة إن لم يأمرهم الإمام بها وإلا وجبت كالصوم ويظهر وجوب التعيين ونية الفريضة ثم ظهر لي أنه يكتفى بنية السبب شوبري ورده الحفني بأنه كيف لا ينوي الفرضية مع وجوبها

                                                                                                                              واعتمد أنه لا بد من نية الفرضية قياسا على المنذورة وعلى الصوم ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : لكل أحد ) أي لمقيم ولو بقرية أو بادية ومسافر ولو سفر قصر وحر ورقيق وبالغ وغيره وذكر وأنثى شيخنا ونهاية قال ع ش أي ولو عاصيا بسفره أو إقامته ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : بأنواعها ) أي الاستسقاء ، التأنيث باعتبار السنة وهو أولى من قول الرشيدي الصواب بأنواعه أي الاستسقاء إذ الصلاة لا تنقسم إلى الصلاة وغيرها ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : مجرد الدعاء ) أي فرادى أو مجتمعين خلف الصلوات أو لا ع ش ( قوله : ولو نفلا ) أي وصلاة جنازة لا سجدة تلاوة وشكر ع ش [ ص: 66 ] قوله : وفي نحو الخطبة ) أي كالدروس شيخنا ( قوله : ويتحول فيها ) أي في خطبة الجمعة ( قوله ثم قال إلخ ) عطف على قوله عبر بيجوز وما بينهما جملة اعتراضية ( قوله : على الثاني ) وهو قوله بل يتجه ندبه ( قوله : ما ينفيها ) أي الكيفية الآتية ( قوله : المأمور به فيه ) أي بالاستغفار في القرآن

                                                                                                                              ( قوله : المراد به إلخ ) لا يقال إنه إن كان صفة أخرى للاستغفار صار المبتدأ أعني ترتيب إلخ بلا خبر أو خبرا له لم يصح الإخبار ؛ لأن مبنى هذه المناقشة أن وحقيقته مبتدأ خبره ما بعده وهو ممنوع لجواز عطفه على الإيمان والهاء للاستغفار وقوله لا ينفي إلخ خبر وترتيب إلخ تأمل سم وقوله والهاء إلخ أي في حقيقته أي والاستغفار الحقيقي هو الإيمان ولكن كان المناسب على ذلك قلب العطف على أنه لا مانع من إرجاع الهاء للإيمان كما هو الأقرب ( قوله : لانقطاعه ) أي الماء ( وقوله : الثابت ) أي الاستسقاء قول المتن ( عند الحاجة ) خرج بذلك ما لو لم تكن حاجة إلى الماء ولا نفع به في ذلك الوقت فلا استسقاء مغني ونهاية زاد شيخنا بل ولا تصح كما قرره الحفناوي ا هـ وقولهم في ذلك الوقت ليس بقيد عند ع ش عبارته قوله عند الحاجة أي ناجزة أو غيرها كأن طلب عند عدم الماء عند عدم الحاجة إليه حالا حصوله بعد مدة يحتاجون فيها إليه بأن طلب في زمن الصيف حصوله في زمن الشتاء أي وعكسه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : للماء ) إلى قوله وجعل في النهاية والمغني إلا قوله على ما بحث ( قوله : لفقده ) أي وتوقف النيل أي ونحوه في أيام زيادته شيخنا ( قوله : أو قلته إلخ ) .

                                                                                                                              ( فرع )

                                                                                                                              أخبر معصوم بالقطع باستجابة دعاء شخص في الحال واضطر الناس للسقيا فهل يجب عليه الدعاء أم لا سم على حج والأقرب الثاني ؛ لأن ما كان خارقا للعادة لا تترتب عليه الأحكام وقال شيخنا العلامة الشوبري قد يتجه تفصيل وهو أنه إن جوز إجابة غيره مع عدم حصول ضرر لم يجب ، وإن تعين طريقا لدفع الضرر فلا يبعد الوجوب فليتأمل ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : وإن كان إلخ ) غاية للمتن ( قوله : فيسن لغيرهم إلخ ) أي ، وإن لم يستسقوا هم ع ش ( قوله : الاستسقاء لهم ) أي ويسألوا الزيادة ؛ لأنفسهم نهاية ومغني أي إذا كان فيها نفع لهم ( قوله : ولو بالصلاة ) أي والخطبة انظر لو نذر الاستسقاء فهل يخرج من عهدة النذر بإحدى الكيفيات المذكورة أو يحمل نذره على الكيفية الكاملة فيه نظر والأقرب الثاني ؛ لأن إطلاق الاستسقاء على الدعاء بنوعيه صار كالمهجور فيحمل اللفظ عند الإطلاق على المشهور منها وهو الأكمل فلا يبر بمطلق الدعاء ولا به خلف الصلوات ع ش ظاهره ولو لم يقدر على الأكمل لعدم فعل أهل محله له .

                                                                                                                              ( قوله : نعم إن كانوا فسقة إلخ ) أي أو بغاة نهاية ومغني ( قوله : أو مبتدعة ) أي ، وإن لم يكفروا ولم يفسقوا بها وبقي ما لو احتاجت طائفة من أهل الذمة وسألوا المسلمين في ذلك فهل ينبغي إجابتهم أم لا فيه نظر والأقرب الأول وفاء بذمتهم ولا يتوهم من ذلك أن فعلنا ذلك لحسن حالهم ؛ لأن كفرهم محقق معلوم وتحمل إجابتنا لهم على الرحمة بهم من حيث كونهم من ذوي الروح بخلاف الفسقة والمبتدعة ع ش ( قوله : لم تفعل لهم إلخ ) قد يقال : إن كان على وجه يؤدي إلى ما أشير إليه في التعليل فلا يبعد وينبغي أن يلحق بهم ما لو كانوا بغاة أو قطاع طريق وكان اتساعهم في أمر المعاش يغريهم على طغيانهم ، وأما إذا عري عن المفسدة فينبغي فعله أخذا بإطلاقهم مع إطلاق النصوص المرغبة في الدعاء للمؤمنين ولعل في [ ص: 67 ] إتيان التحفة بصيغة التبرئة إشعارا بذلك بل ينقدح إلحاق الكفار ولو حربيين بمن ذكر في إجراء هذا التفصيل وعليه فقيد المسلمين للغالب بصري وقوله : وأما إذا عري عن المفسدة أشار إليه سم بما نصه قوله لئلا تظن العامة إلخ انظر على هذا لو أمن هذا الظن ا هـ لكن اعتمد البحث المذكور الأسنى والنهاية والمغني وشرح بافضل وغيرهم وعللوا أولا بالتأديب والزجر ثم بما في الشرح وقوله : ولو حربيين فيه توقف ظاهر والأولى ما مر عن ع ش من التقييد بالذميين ( قوله : من ذلك ) أي من الحاجة المقتضية للاستسقاء عبارة ع ش قوله أو ملوحته ألحق به بعضهم بحثا عدم طلوع الشمس المعتاد والأوجه عدم الإلحاق بل هو من قسم الزلازل والصواعق فتسن له الصلاة فرادى ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ويوجه إلخ ) قد يقال أيضا إن حبسها في معنى كسوفها سم ( قوله : ما يرد الأول ) أي ما بحثه الشارح المتقدم .

                                                                                                                              ( قوله : بأنواعها ) فيه ما مر آنفا عبارة شيخ الإسلام والنهاية والمغني الصلاة مع الخطبتين كما صرح به ابن الرفعة وغيره ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وهكذا ) إلى قوله ويؤخذ في المغني إلا قوله ولو للزيادة إلى المتن وإلى قول المتن على الصحيح في النهاية إلا ما ذكر وقوله : وإن ضعف ( قوله : وهكذا إلخ ) حكي عن أصبغ أنه قال استسقي للنيل بمصر خمسة وعشرين يوما متوالية وحضره ابن القاسم وابن وهب وغيرهما مغني ( قوله : حتى يسقيهم الله ) والمرة الأولى آكد في الاستحباب نهاية ومغني ( قوله : وإن ضعف ) أي ؛ لأنه يعمل بالضعيف في الفضائل سم ( قوله : إن لم يشق إلخ ) الأولى ، فإن لم يشق بل ولم يشق فتأمل ( قوله : ورأى التأخير ) أي واقتضى الحال التأخير كانقطاع مصالحهم نهاية ومغني .




                                                                                                                              الخدمات العلمية