الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة : روي في الصحيح { عن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه أن كسرى لما مات ولى قومه بنته : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة } .

                                                                                                                                                                                                              وهذا نص في أن المرأة لا تكون خليفة ، ولا خلاف فيه .

                                                                                                                                                                                                              ونقل عن محمد بن جرير الطبري إمام الدين أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية ; ولم يصح ذلك عنه ; ولعله كما نقل عن أبي حنيفة أنها [ إنما ] تقضي فيما تشهد فيه ، وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق ، ولا بأن يكتب لها منشور بأن فلانة مقدمة على الحكم ، إلا في الدماء والنكاح ، وإنما ذلك كسبيل التحكيم أو الاستبانة في القضية الواحدة ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : { لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة } . وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير . وقد روي أن عمر قدم امرأة على حسبة السوق ، ولم يصح ; فلا تلتفتوا إليه ; فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث

                                                                                                                                                                                                              . [ ص: 483 ] وقد تناظر في هذه المسألة القاضي أبو بكر بن الطيب المالكي الأشعري مع أبي الفرج بن طرار شيخ الشافعية ببغداد في مجلس السلطان الأعظم عضد الدولة ، فماحل ونصر ابن طرار لما ينسب إلى ابن جرير ، على عادة القوم التجادل على المذاهب ، وإن لم يقولوا بها استخراجا للأدلة وتمرنا في الاستنباط للمعاني ; فقال أبو الفرج بن طرار : الدليل على أن المرأة يجوز أن تحكم أن الغرض من الأحكام تنفيذ القاضي لها ، وسماع البينة عليها ، والفصل بين الخصوم فيها ، وذلك يمكن من المرأة ، كإمكانه من الرجل .

                                                                                                                                                                                                              فاعترض عليه القاضي أبو بكر ، ونقض كلامه بالإمامة الكبرى ; فإن الغرض منها حفظ الثغور ، وتدبير الأمور ، وحماية البيضة ، وقبض الخراج ، ورده على مستحقيه ، وذلك يتأتى من المرأة كتأتيه من الرجل .

                                                                                                                                                                                                              فقال له أبو الفرج بن طرار : هذا هو الأصل في الشرع ، إلا أن يقوم دليل على منعه .

                                                                                                                                                                                                              فقال له القاضي أبو بكر : لا نسلم أنه أصل الشرع .

                                                                                                                                                                                                              قال القاضي عبد الوهاب : هذا تعليل للنقض ، يريد : والنقض لا يعلل . وقد بينا فساد قول القاضي عبد الوهاب في أصول الفقه .

                                                                                                                                                                                                              قال الفقيه القاضي أبو بكر رحمه الله : ليس كلام الشيخين في هذه المسألة بشيء ، فإن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجالس ، ولا تخالط الرجال ، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير ، لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها ، وإن كانت متجالة برزة لم يجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم ، وتكون منظرة لهم ، ولم يفلح قط من تصور هذا ، ولا من اعتقده .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية