الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
( قول حسان السنة في وقته ) المتفق على قبوله ، الذي سار شعره مسيرة الشمس في الآفاق ، واتفق على قبوله الخاص والعام أي اتفاق ، ولم يزل ينشد في الجوامع العظام ولا ينكره أحد من أهل الإسلام يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور الصرصري الأنصاري الإمام في اللغة والفقه والسنة والزهد والتصوف قال في قصيدته العينية التي أولها شعرا :


تواضع لرب العرش علك ترفع فقد فاز عبد للمهيمن يخضع

    وداو بذكر الله قلبك إنه
لأعلى دواء للقلوب وأنفع

    وخذ من تقى الرحمن أمنا
وعدة ليوم به غير التقي مروع



إلى أن قال :


سميع بصير ما له في صفاته     شبيه يرى من فوق سبع ويسمع


قضى خلقه ثم استوى فوق عرشه     ومن علمه لم يخل في الأرض موضع



[ ص: 313 ] وقال في لاميته التي أولها :


ألذ وأحلى من شمول وشمأل     وأليق من ذكرى حبيب ومنزل


ويوم ينادي العالمين فيسمع     القصي كدان في المقال المطول


أنا الملك الديان والنقل ثابت     فهل هاهنا ينساغ تأويل جهل


وينظره أهل البصائر في غد     بأبصارهم لا ريب فيه لمجتلي


كما ينظرون الشمس ما حال دونها     سحاب ألا بعدا لأهل التعزل


توحد فوق العرش والخلق دونه     وأحكم ما سواه إحكام مكمل



وقال في قصيدته تحفة المريدين التي أولها :


أسير وقلبي في رباك أسير     فهل لي من جور الفراق مجير


وأستجلب السلوى وفي القلب حسرة     فيرتد عنك الطرف وهو حسير


وما ذاك إلا أن فيك لناظري بدا     غصن غض النبات نضير


إذا ما تجلى سافرا فجماله     إلى القلب من جيش الغرام سفير


إذا ما اجتمعنا والتفى الشمل فالتقى     رقيب علينا والعفاف غيور


[ ص: 314 ] يؤكد عقد الود بيني وبينه     اعتقاد عليه للهداية نور


كلانا محب للإمام ابن حنبل     لأسيافنا في شانئيه هبير



إلى أن قال :


نقر بأن الله جل جلاله     سميع لأقوال العباد بصير


ويطوي السماوات العلى بيمينه     وذلك في وصف القوي يسير


وخاطب موسى بالكلام مكلما     فخر صريعا إذ تقطع طور


وخط له التوراة فيها مواعظ     فلاحت على الألواح منه دسور


وأن قلوب الخلق بين أصابع     الإله فمنها ثابت ونفور


ونثبت في الأخرى لرؤية ربنا     حديثا رواه في الصحيح جرير


وأي نعيم في الجنان لأهلها     وأنى لهم لو لم يروه سرور



إلى أن قال :


ونؤمن أن العرش من فوق سبعة     تطوف به أملاكه وتدور


قضى خلقه ثم استوى فوق عرشه     تقدس كرسي له وسرير


هو الله ربي في السماء محجب     وليس كمخلوق حوته قصور


إليه تعالى طيب القول صاعد     وينزل منه بالقضاء أمور


[ ص: 315 ] لقد صح إسلام الجويرية التي     بأصبعها نحو السماء تشير



وقال رحمه الله في قصيدته المنامية التي يقول فيها :


رأيت رسول الله في النوم مرة     فقبلت فاه العذب تقبيل مشتاق


ولو أنني أوتيت رشدي نائما     لقبلت ممشاه الكريم بآماقي


فبشرني منه بأزكى شهادة بها     جبر كسري يوم فقري وإملاقي


بموت سعيد في كتاب وسنة     فلانت لبشراه شراسة أخلاقي


وها أنا ذا والحمد لله وحده     مقر لبشراه بأثبت مصداق


بأني على حسن اعتقاد ابن حنبل     مقيم وإن قام العدى لي على ساق


أقر بأن الله من فوق عرشه     يقدر آجالا ويقضي بأرزاق


سميع بصير ليس شيء كمثله     قديم الصفات الواحد الأحد الباقي


أمر أحاديث الصفات كما أتت     أتابع فيها كل أزهر سباق


ولست إلى التشبيه يوما بجانح     ولا قائل تأويل أشدق نهاق



وقال رحمه الله في قصيدته اللامية التي نظم فيها اعتقاد الشافعي رضي الله عنه أولها :


أيشعر حزب الجهم ذاك المضلل     بأني حرب للعدى غير أنكل


تشن عليهم غيرتي وحميتي     لدين الهدى غارات أشوس مقبل


لوقع قريضي في صميم قلوبهم     أشد عليهم من سنان ومنصل


[ ص: 316 ] أفرق منه حين أنظر نحوهم     مقاتل تصمي منهم كل مقتل


هم انحرفوا عن منهج الحق سالكي     مهالك من تحريفهم والتأول


لقد برئ الحبر ابن إدريس منهم     براءة موسى من يهود محول


وتعقد عند الشافعي يمين من     غدا حالفا بالمصحف المتقبل


وهذا دليل منه إذ كان لا يرى     انعقادا لمخلوق بخلق مؤتل


ومذهبه في الاستواء كمالك     وكالسلف الأبرار أهل التفضل


وقل مستو بالذات من فوق عرشه     ولا تقل استولى فمن قال يبطل


فذاك الذي ضد يقابل قسوة     لذي خطل راو لغث وأخطل


وقد بان منه خلقه وهو بائن     من الخلق محض للخفي وللجلي


وأقرب من حبل الوريد مفسرا     وما كان في معناه بالعلم فاعقل


علا في السماء الله فوق عباده     دليلك في القرآن غير مقلل


وإثبات إيمان الجويرية اتخذ     دليلا عليه مسند غير مرسل



وقال رحمه الله في قصيدته اللامية يهجو ابن خنفر الجهمي الخبيث ، أولها :


أطع الهدى لا ما يقول العذل     فالحب ذو مر يجور ويعدل


[ ص: 317 ] واتبع لسلمى ما استطعت مسالما     فالحسن ينصرها وصبرك يخذل


بيضاء دون مرامها لمحبها     بيض الصوارم والرماح الذبل


تخفى فيعرفها الوشاة بعرفها     وتضيء والظلماء ستر مسبل


تضحى الدماء بحورها هدرا وهل     يخشى قصاص القتل طرف أكحل


كيف البقاء لعاشق أودى به     سهم اللحاظ وقد أصيب المقتل


نبذ الكتاب وراء ظهر واقتدى     شيخ الضلالة للصفات يعطل


الحق أثبتها تعالى جده     والتيس ينكرها فجن يقبل


وعقيدة الملعون أن المصحف     المكتوب منبوذ تطوه الأرجل


ما قالت الكفار مثل مقاله     وكذا اليهود ولا النصارى الضلل


آل الجحود به إلى واد لظى     للغاية السفلى فبئس الموئل


وزعمت أن الحنبلي مجسم     حاشا لمثل الحنبلي يمثل


بل يورد الأخبار إذ كانت تصححها     الرواة عن الثقات وتنقل


إن المهيمن ليس تمضي ليلة     إلا وفي الأسحار فيها ينزل


قد قالها خير الورى في سادة     لم ينكروا هذا ولم يتأولوا


وتقبلوها مع غزارة علمهم     أفأنت أم تلك العصابة أعقل



وقال رحمه الله في داليته التي أولها :


واها لفرط حرارة لا تبرد     ولواعج بين الحشا تتوقد


[ ص: 318 ] في كل يوم سنة مدروسة     بين الأنام وبدعة تتجدد


صدق النبي ولم يزل متسربلا     بالصدق إذ يعد الجميل ويوعد


إذ قال تفترق الضلال ثلاثة     زيدت على السبعين قولا يسند


وقضى بأسباب النجاة لفرقة     تسعى بسنته إليه وتحفد


فإن ابتغيت إلى النجاة وسيلة     فاقبل مقالة ناصح يتقلد


إياك والبدع المضلة إنها     تهدي إلى نار الجحيم وتورد


وعليك بالسنن المنيرة فاقفها     فهي المحجة والطريق الأقصد


فالأكثرون بمبدعات عقولهم نبذوا     الهدى فتنصروا وتهودوا


منهم أناس في الضلال تجمعوا     وبسب أصحاب النبي تفردوا


قد فارقوا جمع الهدى وجماعة     الإسلام واجتنبوا التقى وتمردوا


بالله يا أنصار دين محمد نوحوا     على الدين الحنيف وعددوا


لعبت بدينكم الروافض جهرة     وتألفوا في دحضه وتحشدوا


نصبوا حبائلهم بكل مكيدة     وتغلغلوا في المعضلات وشددوا


ورموا خيار الخلق بالكذب الذي     هم أهله لا من رموه وأفسدوا


نقضوا مراتب هن أشرف منصب     في الفخر من أفق السماء وأمجد


الرتبة الصديق جف لسانهم     يبغون وهي من التناول أبعد


أو ما هو السباق في عرف العلى     ولقد زكى من قبل منه المحتد


ولقد أشار بذكره رب العلى     فثناؤه في المكرمات مشيد


[ ص: 319 ] نطق الكتاب بمجده الأعلى ففي     آي الحديد مناقب لا تنقد


لا يستوي منكم وفيها مقنع     والليل يثبت فضله ويؤكد


وبراءة تثني بصحبته وهل     يوهي رفيع علاه إلا ملحد


أو ما هو الأتقى الذي استولى على     الإخلاص طارف ماله والمتلد


لما مضى لسبيله خير الورى     وحوى شمائله صفيح ملحد


منع الأعاريب الزكاة لفقده     وارتد منهم حائر متردد


وتوقدت نار الضلال وخالطت     إبليس أطماع كوامن رصد


فرمى أبو بكر بصدق عزيمة     وثبات إيمان ورأي يحمد


فتمزقت عصب الضلال وأشرقت     شمس الهدى وتقوم المتأود


أم رتبة الفاروق في إظهاره     للدين تلك فضيلة لا تجحد


وهو الموفق للصواب كأنما     ملك يصوب قوله ويسدد


بوفاقه آي الكتاب تنزلت     وبفضله نطق المشفع أحمد


لو كان من بعدي نبيا كنته     خبرا صحيحا في الرواية يسند


وبعدله الأمثال تضرب في الورى     وفتوحه في كل قطر توجد


وتمام فضلهما جوار المصطفى     في تربة فيها الملائك تحشد
وتعمقوا في سب عثمان الذي     ألفاه كفوا لابنتيه محمد


ولبيعة الرضوان مد شماله     عوض اليمين وهي منه أوكد


وحباه في بدر بسهم مجاهد     إذ فاته بالعذر ذاك المشهد


من هذه من بعض غر صفاته     ما ضره ما قال فيه الحسد


[ ص: 320 ] ثم ادعوا حب الإمام المرتضى     هيهات مطلبه عليهم يبعد


أنى وقد جحدوا الذين بفضلهم     أثنى أبو الحسن الإمام السيد


ما في علاه مقالة لمخالف     فمسائل الإجماع فيه تعقد


ولنحن أولى بالإمام وحبه     عقد ندين به الإله مؤكد


وولاؤه لا يستقيم ببغضهم     واضرب لهم مثلا يغيظ ويكمد


مثل الذي جحد ابن مريم وادعى     حب الكليم وتلك دعوى تفسد


وبقذف عائشة الطهور تجشموا     أمرا تظل له الفرائص ترعد


تنزيهها في سبع عشرة آية     والرافضي بضد ذلك يشهد


لو أن أمر المسلمين إليهم     لم يبق في هذي البسيطة مسجد
ولو استطاعوا لا سعت بمرامهم     قدم ولا امتدت بكفهم يد


لم يبق للإسلام ما بين الورى     علم يسود ولا لواء يعقد


علقوا بحبل الكفر واعتصموا به     والعالقون بحبله لم يسعدوا


وأشدهم كفرا جهول يدعي     علم الأصول وفاسق متزهد


فهما وإن وهنا أشد مضرة     في الدين من فأر السفين وأفسد


وإذا سألت فقيههم عن مذهب     قال اعتزال في الشريعة يلحد


كالخائض الرمضاء أقلقه اللظى     منها ففر إلى جحيم توقد


إن المقال بالاعتزال لخطة     عمياء حل بها الغواة المرد


هجموا على سبل الهدى بعقولهم     ليلا فعاثوا في الديار وأفسدوا


صم إذا ذكر الحديث لديهم     نفروا كأن لم يسمعوه وعردوا


واضرب لهم مثل الحمير إذا رأت     أسد العرين فهن منهم شردوا


[ ص: 321 ]

إلى أن قال :


والجاحد الجهمي أسوأ منهما     حالا وأخبث في القياس وأفسد


أمسى لرب العرش قال منزها     من أن يكون عليه رب يعبد


ونفى القرآن برأيه والمصحف     الأعلى المطهر عنده يتوسد


وإذا ذكرت له على العرش استوى     قال هو استولى يحيد ويخلد


فإلى من الأيدي تمد تضرعا     وبأي شيء في الدجى يتهجد


ومن الذي هو للقضاء منزل     وإليه أعمال البرية تصعد


وبما ينزل جبرائيل مصدقا     ولأي معجزة الخصوم تبلد


ومن الذي استولى عليه بقهره     إن كان فوق العرش ضد أيد


جلت صفات الحق عن تأويلهم     وتقدست عما يقول الملحد


لما بغوا تنزيهه بقياسهم     ضلوا وفاتهم الطريق الأرشد


ويقول لا سمع ولا بصر ولا     وجه لربك ذي الجلال ولا يد


من كان هذا وصفه لإلهه     فأراه للأصنام سرا يسجد


الحق أثبتها بنص كتابه     ورسوله وغدا المنافق يجحد


فمن الذي أولى بأخذ كلامه     جهم أم الرحمن قولوا وارشدوا


والصحب لم يتأولوا لسماعها     فهم إلى التأويل أم هو أرشد


هو مشرك ويظن جهلا أنه     في نفي أوصاف الإله موحد


يدعو من اتبع الحديث مشبها     هيهات ليس مشبها من يسند


لكنه يروي الحديث كما أتى     من غير تأويل ولا يتردد


وإذا العقائد بالضلال تخالفت     فعقيدة المهدي أحمد أحمد


[ ص: 322 ] هي حجة الله المنيرة فاعتصم     بحبالها لا يلهينك مفسد


إن ابن حنبل اهتدى لما اقتدى     ومخالفوه لزيفهم لم يهتدوا


ما زال أحمد يقتفي أثر الهدى     ويروم أسباب النجاة ويجهد


حتى ارتقى في الدين أشرف ذروة     ما فوقها لأخي ارتقاء مصعد


نصر الهدى إذ لم يقل ما لم يقل     في فتنة نيرانها تتوقد


ما صده ضرب السياط ولا ثنى     عزماته ماضي الغرار مهند


فهواه حبا ليس فيه تعصب     لكن محبة مخلص يتودد


وهذا باب واسع جدا لا يتسع لذكره مجلد كبير ، ويكفي أن شعراء الجاهلية مقرة به على فطرتهم الأولى كما قال عنترة في قصيدته :


يا عبل أين من المنية مهربي     إذ كان ربي في السماء قضاها



التالي السابق


الخدمات العلمية