الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الركن الثالث : المقسم فيه ، إنما يقسم في الدماء في الأحرار ، لأنه مورد السنة والقسامة على خلاف قاعدة الدعاوي في القسم وعدد الأيمان ، وفيها تعدد بعدد فيقتصر بها على محلها ، وفي الكتاب : لا قسامة في العبيد عمدا ولا خطأ ; لأنهم مال ، وإن قتل عبد حرا فلولاته القسامة خمسين يمينا ويستحقون دم صاحبهم ; لأنه دم حر ، فيقتلون العبد إن شاءوا ، وإن قالوا : يحلف يمينا واحدة ويأخذ العبد يستحييه ، امتنع ; لأن دم الحر لا يستحق إلا بالقسامة أو بينة ، [ ص: 304 ] وليس فيمن قتل بين الصفين قسامة لتعينه منهما . وإن ضربت امرأة فألقت جنينا ميتا وقالت : دمي عند فلان ، ففيها القسامة ، ولا بد في الجنين من بينة ; لأنه كجرح فيها أو شاهد عدل يحلف ولاته معه يمينا واحدة ويستحقون ديته ، وإن قالت : دمي عند فلان فخرج جنينها حيا واستهل ومات وعاشت الأم لم يقسم فيه ; لأنه جرح ، وإن قالت - وهي حية - قتل ابني لم يقبل قولها ، ولا يقسم فيه وإن قالت : دمي عند أبي يقسم على قوله ، والدية في الخطأ على عاقلته ، وفي العمد في مال الأب . وفي التنبيهات : قوله : لا قسامة فيمن قتل بين الصفين . معناه : إذا لم يدم على أحد ، ولا شهد على من قتله ، ولا أي الصفين قتله ، وفيه الدية على الفئة المنازعة له . وفي الجلاب : فيه القسامة مطلقا لاحتمال موته بسبب يخصه . واختلف قول ابن القاسم إذا رمي أو شهد له شاهد بقتل معين له ، أو على أحد الصفين فحملا يقتله هل فيه قسامة أم لا ؟ وما يثبت ببينة ففيه القصاص هذا بصفة العصبية والبغي المستوي في ذلك ، فإن كان أحدهما باغ والآخر مظلوم ومتأول ، والقتيل منهم ، طلب الآخرون بعقله بقسامة أو بغير قسامة على القولين المتقدمين إن لم يثبت قاتله أو قتل الصف له بعدلين ، أو من صف الباغين الراجعين فلا قصاص ولا دية ، وإن تعين قاتله ، وكذلك إن كان القاتلون متأولين أو كلا الصفين متأول ; لأنه عمل السلف في قتال البغاة . قال ابن يونس : يضرب قاتل العبد مائة ويحبس سنة ، وإن نكل حلف سيد العبد يمينا ( واحدة ، فإن قال العبد : دمي عند فلان : قال أشهب : يحلف خمسين يمينا [ ص: 305 ] ويضرب ويحبس سنة ويبرأ ; لأن الحر ادعى القتل عليه ، فإن نكل حلف سيد العبد يمينا ) واستحق قيمته مع الضرب والحبس ; لأنه لو ادعاه حر على عبد كانت فيه القسامة ، وإنما تركت لأنه عبد ، ورواه عن مالك . وقال ابن القاسم : يحلف المدعى عليه يمينا واحدة ولا قيمة ولا ضرب ولا سجن ، فإن حلف غرم القيمة وضرب مائة وحبس سنة ، وعن ابن القاسم : لا قسامة في قتيل الصفين وإن شهد شاهد على قتله أو إقراره ، ويرجع إلى القتل بالقسامة ، وإن كان القتيل أو الجريح من غير الفريقين ، فعقله عليهما ولا قسامة ولا قود إلا أن يثبت عند أحد بعينه ( وقول مالك ) : لا قسامة في هذا ، يريد بدعوى الأولياء أن فلانا قتله ( أما بقول الميت أو قيام شاهد أن فلانا قتله ) ففيه القسامة ، وإن شهد شاهد أن فلانا جرحه ثم مات بعد أيام ، ففيه القسامة ، قال مالك في جماعة ضربوا رجلا ثم افترقوا وبه موضحة لا يدري أيهم شجه فالعقل على جميعهم ، وإن ثبت أن أحدهم جرحه اقتص منه بعد حلفه ; لأنه يتهم أن ينكر الفاعل ليلزم العقل ، وقوله في الجنين : لا قسامة ، يريد : ويحلف من يرث العدة كل واحد منهم يمينا أنه قتله ، ويستحقون العدة في مال الضارب ، وإذا خرج حيا وقالت : دمي عند فلان : لا قسامة فيه ; لأن المضروب غيره ، ولأنها تجر سبها لنفسها أو إلى زوجها إن كان أبوه ، أو إخوته إن كانوا أولادها ، ولأنها لو قالت : قتلني وقتل فلانا معي ، لم يكن في فلان قسامة عند ابن القاسم . وقال أشهب : يقسم ولاته بشهادتها ما لم تشهد من يرثها لأنه يرى شهادة المرأة لوثا بخلاف ابن القاسم . ولو قال : أضجعني أبي فذبحني أو بقر بطني فيقسم مع قوله ويقتل الأب أو يعفون عنه ، قاله ابن القاسم ، وقال أشهب : لا يقتل والد بالقسامة بل المال لأنه يقتل عشرة بواحد بالبينة دون القسامة .

                                                                                                                [ ص: 306 ] قال اللخمي : القتيل من الصفين أربعة : قصاص ، وهدر ، ودية ، ومختلف فيه ، هل القصاص أو الدية ؟ ففي المتأولين هدر ، وفي الباغين قصاص إن عرف القاتل ، وفيمن يكون بين القبائل دم الراجفة هدر ، والدافعة عن نفسها قصاص ، وفي الباغين إذا لم يثبت القتل إلا بشاهد على القتل ، أو على قول القتيل : قتلني فلان ، أو وجدوه قتيلا هل القصاص بالقسامة أو الدية على المنازعة من غير قسامة ؟ خلاف .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إن مات تحت الضرب أو بقي مغمورا لم يأكل ، ولم يتكلم ، ولم يفق حتى مات لم يقسم فيه ; لعدم التعين ، فإن عاش حياة بينة ثم مات ففيه القسامة ، إذ لعله مات بغير الضرب ، وكذلك إن مكث يوما فتكلم ، ولم يأكل ولم يشرب ، أو قطع فخذه فعاش يومه وأكل وشرب ومات آخر النهار ، أقسم عليه ; فإن شق حشوته ، وأكل وأقام ثلاثة أيام ، قتل بغير قسامة لتعين إنفاذ المقتل . قال ابن يونس من سماع ابن القاسم : بينه وبين رجل قتال ، فأتي وبه جرح ، فقال : فلان وفلان فعلا بي هذا ، وقد أترث فيها في مواضع : يسجنان حتى يكشف أمرهما ، والصلح في هذا أحب إلي ، قال ابن القاسم : إن جرح ثم ضربته دابة فمات لا يدري عن أيهما : كان نصف الدية على عاقلة الجارح قبل القسامة ، وكيف يقسم في نصف الدية ، وعنه : يقسمون : لمات من جرح الجارح كمرض المجروح . قال محمد : إن طرحه على موضع بعد جرح الأول أقسموا على أيهما شاءوا ، على الجارح أو الطارح ، وقتلوه وضرب الآخر مائة وحبس سنة .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية