الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الركن الثاني في المقسم ، وفي الجواهر : هو في العمد من له القصاص من الأولياء الرجال المكلفين ، وفي الخطأ جميع المكلفين من الورثة رجالا أو نساء يحلفون على قدر مواريثهم ، ومن لا وارث له فلا قسامة له ; لتعذر قسم بيت المال ، ولا يقسم إلا ولي نسب أو ولاج ، ولا يقسم من القبيلة إلا من التقى معه إلى نسب ثابت ، ولا يقسم المولى الأسفل ، بل ترد الأيمان على المدعى عليهم . وفي الكتاب : لا يقسم في العمد أقل من رجلين كالشهادة ، وإن كان للمقتول أولاد صغار ، والقتل بالقسامة ، فللولي تعجيل القسامة ولا ينتظر كبرهم ليلا يفوت الدم بفوات محله ، وإن عفوا امتنع إلا على الدية لا أقل منها ، وإن كانوا - أولاده - صغارا وكبارا ، والكبار اثنان فصاعدا ، فلهم القسامة والقتل ، ولا ينتظر بلوغ الصغار ، فإن عفا بعضهم فليقسم مع الصغار حظهم من الدية ، وإن لم يكن [ ص: 301 ] إلا ولد كبير وآخر صغير ، ووجد الكبير من ولاة الدم من يحلف معه ، وإن لم يكن ممن له العفو ، حلفا خمسين ، وللكبير أن يقتل لكمال النسب ، وإن لم يجد ( حلف خمسا وعشرين يمينا ، وانتظر الصغير إذا بلغ حلف خمسا وعشرين يمينا واستحق الدم ) ولا يقسم النساء في دم العمد ، لأنهن لسن أهلا للقيام بالدماء ، ويقسمن في الخطأ ; لأنه مال ، وإن حلف رجال عدد في العمد ، فأكذب نفسه واحد منهم ، امتنع القتل إن كان ممن لو أتى باليمين لم يقتل المدعى عليه ، في التنبيهات عن ابن القاسم : تسقط الدية على القاتل بتكذيب أحدهم نفسه ، بخلاف لو عفا أحدهم عنه ، ولو كان قبل القسامة استوى عند ابن القاسم العفو والنكول ويسقط الدم والدية ، وكذلك يقول عبد الملك في المسألتين قبل وبعد في العفو والنكول والتكذيب . وقال أشهب في جميع ذلك : للباقين حظهم من الدية ، ويقسمون إن لم يكونوا اقتسموا لأن الأصل بقاء حقهم ، وفرق ابن نافع : بين نكوله على وجه الورع ، فللباقين القسامة والقود لبقاء قوة النسبة ، أو على طريق العفو ، فللباقين القسامة والدية . قال ابن يونس : عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم القسامة على الجاريتين ، وكن اثنتين فأكثر . ولا يقتل أحد إلا بشاهدين ، وقد جعل الله تعالى لكل شهادة في الزنا يمينا في اللعان ، والنساء لما لم يشهدن في العمد ، لا يحلفن فيه ، قال مالك : إن كان في الولاة خمسون ، حلف كل رجل يمينا ، أو أقل رد عليهم الأيمان ، أو أكثر واستوى في التعدد . قال أشهب : لا يحلف إلا خمسون ، وعدم حلف الزائد لا يعد نكولا ، ولا يقتصر على اثنين منهم يحلفون خمسين يمينا ، وإن أبوا إلا ذلك لم يجدهم وهو كالنكول ، لعدم كمال [ ص: 302 ] الخمسين من الجميع ، وقال ابن القاسم : يجدي اثنان ، قال محمد : وذلك عندي إذا تطاوعوا ولم يتركوا نكولا ، كما يحلف الخمسون عمن بقي ، والكبير عن الصغير إن كان له إخوة وجد ، قال ابن القاسم : يقسم الجد مع الإخوة على قدر حقه من الميراث معهم ، ويقسم الإخوة على حقوقهم في دم العمد والخطأ إن تشاحوا في قسامة العمد . وقال أشهب : يحلف على قدر حقه في الخطأ ، وأما العمد : فأيمان العصبة على قدر العدد . قال ابن القاسم : إن كان له ابن وغيره وهو من العرب ، أقسم مع الابن من ينتمي معه إلى جد توارثه ، وأما من هو في العشرة بغير نسب معروف فلا . للمقتول ولد أم لا ، قال عبد الملك : يستعين الولد من عصبته بمن شاء إلى خمسين رجلا ، وإن حلف أحد الولدين ثم أصاب الآخر من يعينه فذلك له ، وإن حلف الذي أعين مع من أعانه لم يكن على الثاني إلا شطر ما بقي بعد طرح أيمان المعينين ، ويحسب الحالف ما حلف ويزاد عليه إلى مبلغ ذلك ، ولا يحلف أحد الولدين أكثر من خمسة وعشرين كما لا يحلف واحد في القسامة ، والأولاد الصغار لا ينتظر بلوغهم ، وينتظر لهم وليهم في القتل وأخذ الدية ، قال أشهب : فإن لم يكن لهم وصي جعل السلطان لهم وليا ، وله أن يأخذ في العمد أقل من الدية ; لأنه كبيع . قال سحنون : أشهب يقول : إن طلب من القاتل الدية لزمته فكيف يجوز للولي القصاص ، والصبي لو بلغ كان له أن يلزمه إياها ، ولا يقتل الولي الحاضر حتى يقدم الغائب بخلاف الكبير مع الصغير ; لأنه يمكن أن يكتب إليه ، ويحبس القاتل حتى يقدم إلا [ ص: 303 ] البعيد الغيبة فللحاضر القتل كالأسير بأرض الحرب ونحوه ، بخلاف من إفريقية إلى العراق ، وكذلك الصبي إن كان راهق انتظر ، قاله سحنون . وإن كان أحدهما مجنونا مطبقا ، وللآخر القتل ، وينتظر المغمى عليه والمبرسم لقربه .

                                                                                                                وفي المقدمات : إن وزعت الأيمان فحصل فيها كسر ، نحو كونهم عشرين ، يحلف كل واحد يمينين يمينين تبقى عشرة ، فيمتنع الدم حتى يأتوا بعشرة منهم يحلفون ، فإن أبى جميعهم عنها بطل الدم ، ولا يستعين إلا بمن يلقاه إلى أب معروف ، فإن أراد أحدهم تحمل عنه أكثر مما يجب عليه لم يجز ، وإن أراد هو جاز له ذلك ما بينه وبين خمسة وعشرين يمينا ، وإن كان اثنين فلهم الاستعانة وتقسم الأيمان على عددهم أجمعين ، ويجوز رضا أحدهما بأكثر مما يجب عليه بخلاف المستعان به كما تقدم ، وإن حلف الوليان ما يجب عليهما فللمستعان بهم أن يحلف بعضهم أكثر من بعض ، وإن حلف أحدهما نصفها فوجد الآخر من يعينه فلا يختص المستعان به ، بل تقسم بينهما إلا أن يكون الأول حلف آيسا ممن يعينه فتحسب الأيمان ، والجد عند ابن القاسم أخ في العفو ، ويحلف ثلث الأيمان في العمد والخطأ . قال : وهو صواب في الخطأ ، وينبغي في العمد قسم الأيمان على عددهم ; لأنه أخ . وقال أشهب : لا حق للجد مع الإخوة في القيام به ولا العفو ، فيقسمون دونه ، ولهم الاستعانة به .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية