الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          تنبيهات

                                                          ( الأول ) : قول سيبويه فيما تقدم إنما أميلت الهاء تشبيها لها بالألف مراده ألف التأنيث خاصة لا الألف المنقلبة عن الياء ووجه الشبه بين هذه الهاء ، وألف التأنيث أنهما زائدتان ، وأنهما للتأنيث ، وأنهما ساكنتان ، وأنهما مفتوح ما قبلهما ، وأنهما من مخرج واحد عند الأكثرين ، أو قريبا المخرج على ما قررنا ، وأنهما حرفان خفيان قد يحتاج كل واحد منهما أن يبين بغيره ، كما بينوا ألف الندبة في الوقف بالهاء بعده في نحو : وازيداه .

                                                          وبينوا هاء الإضمار بالواو والياء نحو : ضربه زيد ، ومر به عمرو . كما هو مقرر في موضعه ، فقد اشتمل هذا الكلام على ، أوجه من الشبه الخاص بالألف والهاء اللذين

                                                          [ ص: 88 ] للتأنيث ، وعلى ، أوجه من الشبه العام بين الهاء والألف مطلقا وإن كانت لغير التأنيث ، وإذا تقرر اتفاق الألف والهاء على الجملة ، وزادت هذه الهاء التي للتأنيث على الخصوص اتفاقها مع ألف التأنيث على الخصوص في الدلالة على معنى التأنيث ، وكانت ألف التأنيث تمال لشبهها بالألف المنقلبة عن الياء أمالوا هذه الهاء حملا على ألف التأنيث المشبهة في الإمالة بالألف المنقلبة عن الياء ، وذلك ظاهر .

                                                          ( الثاني ) : اختلفوا في هاء التأنيث هل هي ممالة مع ما قبلها ، أو أن الممال هو ما قبلها وأنها نفسها ليست ممالة فذهب جماعة من المحققين إلى الأول ، وهو مذهب الحافظ أبي عمرو الداني وأبي العباس المهدوي وأبي عبد الله بن سفيان وأبي عبد الله بن شريح وأبي القاسم الشاطبي ، وغيرهم .

                                                          وذهب الجمهور إلى الثاني ، وهو مذهب مكي ، والحافظ أبي العلاء وأبي العز وابن الفحام وأبي الطاهر بن خلف وأبي محمد سبط الخياط وابن سوار ، وغيرهم . والأول أقرب إلى القياس ، وهو ظاهر كلام سيبويه حيث قال : شبه الهاء بالألف يعني في الإمالة والثاني أظهر في اللفظ ، وأبين في الصورة ، ولا ينبغي أن يكون بين القولين خلاف فباعتبار حد الإمالة وأنه تقريب الفتحة من الكسرة والألف من الياء فإن هذه الهاء لا يمكن أن يدعى تقريبها من الياء ، ولا فتحة فيها فتقرب من الكسرة ، وهذا مما لا يخالف فيه الداني ، ومن قال بقوله .

                                                          وباعتبار أن الهاء إذا أميلت فلا بد أن يصحبها في صوتها حال من الضعف خفي يخالف حالها إذا لم يكن قبلها ممال وإن لم يكن الحال من جنس التقريب إلى الياء فيسمى ذلك المقدار إمالة ، وهذا مما لا يخالف فيه مكي ، ومن قال : بقوله فعاد النزاع في ذلك لفظيا إذ لم يمكن أن يفرق بين القولين ، بلفظ - والله أعلم - .

                                                          ( الثالث ) : هاء السكت نحو كتابيه و حسابيه ، و ماليه . و يتسنه ، لا تدخلها الإمالة لأن من ضرورة إمالتها كسر ما قبلها ، وهي إنما أتي بها بيانا للفتحة قبلها ففي إمالتها مخالفة للحكمة التي من أجلها اجتلبت . وقال الهذلي :

                                                          [ ص: 89 ] الإمالة فيها بشعة ، وقد أجازها الخاقاني وثعلب .

                                                          وقال الداني في كتاب الإمالة والنص عن الكسائي ، والسماع من العرب إنما ورد في هاء التأنيث خاصة قال : وقد بلغني أن قوما من أهل الأداء منهم أبو مزاحم الخاقاني كانوا يجرونها مجرى هاء التأنيث في الإمالة وبلغ ذلك ابن مجاهد فأنكره أشد النكير ، وقال : فيه أبلغ قول ، وهو خطأ بين - والله أعلم - .

                                                          ( الرابع ) الهاء الأصلية نحو ( ولما توجه ) لا يجوز إمالتها وإن كانت الإمالة تقع في الألف الأصلية لأن الألف أميلت من حيث إن أصلها الياء والهاء لا أصل لها في ذلك ولذلك لا تقع الإمالة في هاء الضمير نحو يسره ، و فأقبره ، و أنشره ليقع الفرق بين هاء التأنيث ، وغيرها . وأما الهاء من هذه فإنها لا تحتاج إلى إمالة لأن ما قبلها مكسور - والله أعلم - .

                                                          ( الخامس ) لا تجوز الإمالة في نحو : الصلاة ، والزكاة . وبابه مما قبله ألف كما تقدم لأن هذه الألف لو أميلت لزم إمالة ما قبلها ، ولم يمكن الاقتصار على إمالة الألف مع الهاء دون إمالة ما قبل الألف والأصل في هذا الباب هو الاقتصار على إمالة الهاء والحرف الذي قبلها فقط ، فلهذا أميلت الألف في نحو : التوراة ، و مزجاة . وبابه مما تقدم ، لأنها منقلبة عن الياء لا من أجل أنها للتأنيث .

                                                          قال الداني في مفرداته : إن الألف وما قبلها هو الممال في هذه الكلمات لا الهاء ، وما قبلها إذ لو كان ذلك لما جازت الإمالة فيها في حال الوصل لانقلاب الهاء المشبهة بالألف فيه تاء . وقال في جامع البيان إن من أمال ذلك لم يقصد إمالة الهاء ، بل قصد إمالة الألف وما قبلها ولذلك ساغ له استعمالها فيهن في حال الوصل والوقف جميعا ، ولو قصد إمالة الهاء لامتنع ذلك فيها لوقوع الألف قبلها كامتناعه في : الصلاة ، والزكاة ، وشبههما .

                                                          قال : وهذا كله لطيف غامض انتهى . ويلزم على مذهبه ومذهب أصحابه أن يقال : القدر الذي يحصل في صوت الهاء من التكيف الذي يسمونه إمالة بعد

                                                          [ ص: 90 ] الفتحة الممالة حاصل أيضا بعد الألف الممالة وإن لم تكن الإمالة بسبب الهاء ، ولا يلزم ذلك على مذهب مكي وأصحابه لأن الإمالة عندهم لا تكون في الهاء كما قدمنا - والله أعلم - .

                                                          خاتمة

                                                          قوله تعالى : ( آنية ) في سورة الغاشية يميل منها هشام فتحة الهمزة والألف بعدها خاصة ويفتح الياء والهاء . والكسائي من طرقنا يعكس ذلك فيميل فتحة الياء والهاء في الوقف ويفتح الهمزة والألف ، ولا يميل الجميع إلا قتيبة في روايته كما هو معروف من مذهبه ومعلوم من طرقه ، وأما نحو الآخرة ، و باسرة ، و كبيرة ، و صغيرة في رواية ورش من طريق الأزرق حيث يرقق الراء في ذلك فليس كمذهب الكسائي وإن سماه بعض أئمتنا إمالة كالداني وقد فرق بين ذلك فقال : لأن ورشا إنما يقصد إمالة فتحة الراء فقط ولذلك أمالها في الحالين ، والكسائي إنما قصد إمالة الهاء ولذلك خص بها الوقف لا غير إذ لا توجد الهاء في ذلك إلا فيه انتهى . وهو لطيف - والله أعلم - .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية