الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا نهي عن خصلة من خصال الجاهلية ، وهي خصلة الكبرياء ، وكان أهل الجاهلية يتعمدونها ، وهذه الوصية الخامسة عشرة .

والخطاب لغير معين ; ليعم كل مخاطب ، وليس خطابا للنبيء صلى الله عليه وسلم ; إذ لا يناسب ما بعده .

والمرح بفتح الميم وفتح الراء : شدة ازدهاء المرء وفرحه بحاله في عظمة الرزق ، و مرحا مصدر وقع حالا من ضمير تمش ، ومجيء المصدر حالا كمجيئه صفة يراد منه المبالغة في الاتصاف ، وتأويله باسم الفاعل ، أي لا تمش مارحا ، أي مشية المارح ، وهي المشية الدالة على كبرياء الماشي بتمايل وتبختر ، ويجوز أن يكون مرحا مفعولا مطلقا مبينا لفعل تمش ; لأن للمشي أنواعا ، منها : ما يدل على أن صاحبه ذو مرح ، فإسناد المرح إلى المشي مجاز عقلي ، والمشي مرحا أن يكون في المشي شدة وطء على الأرض وتطاول في بدن الماشي .

وجملة إنك لن تخرق الأرض استئناف ناشئ عن النهي بتوجيه خطاب ثان في هذا المعنى على سبيل التهكم ، أي أنك أيها الماشي مرحا [ ص: 104 ] لا تخرق بمشيك أديم الأرض ، ولا تبلغ بتطاولك في مشيك طول الجبال ، فماذا يغريك بهذه المشية .

والخرق : قطع الشيء والفصل بين الأديم ، فخرق الأرض تمزيق قشر التراب ، والكرم مستعمل في التغليظ بتنزيل الماشي الواطئ الأرض بشدة منزلة من يبتغي خرق وجه الأرض ، وتنزيله في تطاوله في مشيه إلى أعلى منزلة من يريد أن يبلغ طول الجبال .

والمقصود من التهكم التشنيع بهذا الفعل ، فدل ذلك على أن المنهي عنه حرام ; لأنه فساد في خلق صاحبه ، وسوء في نيته وإهانة للناس بالإظهار الشفوق عليهم وإرهابهم بقوته ، وعن عمر بن الخطاب : أنه رأى غلاما يتبختر في مشيته فقال له ( إن البخترة مشية تكره إلا في سبيل الله ) يعني ; لأنها يرهب بها العدو إظهارا للقوة على أعداء الدين في الجهاد .

وإظهار اسم الأرض في قوله لن تخرق الأرض دون إضمار ; ليكون هذا الكلام مستقلا عن غيره جاريا مجرى المثل .

التالي السابق


الخدمات العلمية