الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا عطف على جملة سبحان الذي أسرى إلخ فهي ابتدائية ، والتقدير : الله أسرى بعبده محمد وآتى موسى الكتاب ، فهما منتان عظيمتان على جزء عظيم من البشر ، وهو انتقال إلى غرض آخر ; لمناسبة ذكر المسجد الأقصى ، فإن أطوار المسجد الأقصى تمثل ما تطور به حال بني إسرائيل في جامعتهم من أطوار الصلاح والفساد ، والنهوض والركود ; ليعتبر بذلك المسلمون ; فيقتدوا ، أو يحذروا .

ولمناسبة قوله لنريه من آياتنا فإن من آيات الله التي أوتيها إلى النبيء صلى الله عليه وسلم آية القرآن ، فكان ذلك في قوة أن يقال : وآتيناه القرآن ، وآتينا موسى الكتاب أي التوراة ، كما يشهد به قوله بعد ذلك إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم أي للطريقة التي هي أقوم من طريقة التوراة ، وإن كان كلاهما هدى ، على ما في حالة الإسراء بالنبيء عليه الصلاة والسلام ليلا ; ليرى من آيات الله تعالى من المناسبة لحالة موسى عليه السلام حين أوتي النبوة ، فقد أوتي النبوة ليلا ، وهو سار بأهله من أرض مدين ، إذ آنس من جانب الطور نارا ، ولحاله أيضا حين أسرى إلى مناجاة ربه بآيات الكتاب .

والكتاب : هو المعهود إيتاؤه موسى عليه السلام ، وهو التوراة ، وضمير الغائب في جعلناه للكتاب ، والإخبار عنه بأنه هدى مبالغة ; لأن الهدى بسبب العمل بما فيه فجعل كأنه نفس الهدى ، كقوله تعالى في القرآن هدى للمتقين .

[ ص: 25 ] وخص بني إسرائيل ; لأنهم المخاطبون بشريعة التوراة دون غيرهم ، فالجعل الذي في قوله وجعلناه هو جعل التكليف ، وهم المراد بـ ( الناس ) في قوله قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس ; لأن الناس قد يطلق على بعضهم ، على أن ما هو هدى لفريق من الناس صالح لأن ينتفع بهديه من لم يكن مخاطبا بكتاب آخر ، ولذلك قال تعالى إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ، وقرأ الجمهور ألا تتخذوا بتاء الخطاب على الأصل في حكاية ما يحكى من الأقوال المتضمنة نهيا ، فتكون ( أن ) تفسيرية لما تضمنه لفظ الكتاب من معنى الأقوال ، ويكون التفسير لبعض ما تضمنه الكتاب اقتصارا على الأهم منه وهو التوحيد ، وقرأ أبو عمرو - وحده - بياء الغيبة على اعتبار حكاية القول بالمعنى ، أو تكون ( أن ) مصدرية مجرورة بلام محذوفة حذفا مطردا ، والتقدير : آتيناهم الكتاب لئلا يتخذوا من دوني وكيلا .

والوكيل : الذي تفوض إليه الأمور ، والمراد به الرب ; لأنه يتكل عليه العباد في شئونهم ، أي أن لا تتخذوا شريكا تلجأون إليه ، وقد عرف إطلاق الوكيل على الله في لغة بني إسرائيل كما حكى الله عن يعقوب وأبنائه فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية