قَوْلُهُ تَعَالَى : قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا .
الْعَرَبُ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ ، يَقُولُونَ : مَا عَبَأْتُ بِفُلَانٍ ، أَيْ : مَا بَالَيْتُ بِهِ ، وَلَا اكْتَرَثْتُ بِهِ ، أَيْ : مَا كَانَ لَهُ عِنْدِي وَزْنٌ ، وَلَا قَدْرٌ يَسْتَوْجِبُ الِاكْتِرَاثَ وَالْمُبَالَاةَ بِهِ ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْعِبْءِ وَهُوَ الثِّقَلُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي زَيْدٍ يَصِفُ أَسَدًا :
كَانَ بِنَحْرِهِ وَبِمَنْكِبَيْهِ عَبِيرًا بَاتَ يَعْبَؤُهُ عَرُوسُ
وَقَوْلُهُ : يَعْبَؤُهُ ، أَيْ : يَجْعَلُ بَعْضَهُ فَوْقَ بَعْضٍ لِمُبَالَاتِهِ بِهِ وَاكْتِرَاثِهِ بِهِ .
وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ ، فَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ يَدُورُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ .
وَاعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْمَصْدَرِ فِي قَوْلِهِ : لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ، هَلْ هُوَ مُضَافٌ إِلَى فَاعِلِهِ ، أَوْ إِلَى مَفْعُولِهِ ، وَعَلَى أَنَّهُ مُضَافٌ إِلَى فَاعِلِهِ فَالْمُخَاطَبُونَ بِالْآيَةِ دَاعُونَ ، [ ص: 82 ] لَا مَدْعُوُّونَ ، أَيْ : مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ، أَيْ : عِبَادَتُكُمْ لَهُ . وَأَمَّا عَلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ مُضَافٌ إِلَى مَفْعُولِهِ فَالْمُخَاطَبُونَ بِالْآيَةِ مَدْعُوُّونَ لَا دَاعُونَ ، أَيْ : مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ لَوْلَا دُعَاؤُهُ إِيَّاكُمْ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .
وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ ثَلَاثَةً مِنَ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى كَوْنِ الْمَصْدَرِ فِيهَا مُضَافًا إِلَى فَاعِلِهِ . وَالرَّابِعُ : مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِهِ مُضَافًا إِلَى مَفْعُولِهِ .
أَمَّا الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى كَوْنِهِ مُضَافًا إِلَى فَاعِلِهِ .
فَالْأَوَّلُ مِنْهَا أَنَّ الْمَعْنَى : مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ، أَيْ : عِبَادَتُكُمْ لَهُ وَحْدَهُ جَلَّ وَعَلَا ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَالْخِطَابُ عَامٌّ لِلْكَافِرِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ ، ثُمَّ أَفْرَدَ الْكَافِرِينَ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ : فَقَدْ كَذَّبْتُمْ الْآيَةَ .
وَالثَّانِي مِنْهَا : أَنَّ الْمَعْنَى : لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ أَيُّهَا الْكُفَّارُ لَهُ وَحْدَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكُرُوبِ ، أَيْ : وَلَوْ كُنْتُمْ تَرْجِعُونَ إِلَى شِرْكِكُمْ ، إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّ الْمَعْنَى مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي ، أَيْ : مَا يَصْنَعُ بِعَذَابِكُمْ ، لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى ، وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذَا الْقَوْلِ ، وَأَنَّ فِيهِ تَقْدِيرَ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ، وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ .
أَمَّا الْقَوْلُ الرَّابِعُ الْمَبْنِيُّ عَلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ فِي الْآيَةِ مُضَافٌ إِلَى مَفْعُولِهِ فَهُوَ ظَاهِرٌ ، أَيْ : مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُهُ إِيَّاكُمْ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ .
وَإِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ ، فَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا ، قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قُرْآنٌ ، وَسَنُبَيِّنُ هُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى دَلِيلَ كُلِّ قَوْلٍ مِنْهَا مِنَ الْقُرْآنِ مَعَ ذِكْرِ مَا يَظْهَرُ لَنَا أَنَّهُ أَرْجَحُهَا .
أَمَّا هَذَا الْقَوْلُ الْأَخِيرُ الْمَبْنِيُّ عَلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ فِي الْآيَةِ مُضَافٌ إِلَى مَفْعُولِهِ ، وَأَنَّ الْمَعْنَى : مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُهُ إِيَّاكُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ ، فَقَدْ دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ " هُودٍ " : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [ 1 \ 7 ] وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ " الْكَهْفِ " : إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [ 18 \ 7 ] وَقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ " الْمُلْكِ " : [ ص: 83 ] الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [ 67 \ 2 ] .
فَهَذِهِ الْآيَاتُ قَدْ أَوْضَحَتْ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي خَلْقِهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ، وَجَمِيعَ مَا عَلَى الْأَرْضِ ، وَالْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ، هِيَ أَنْ يَدْعُوَهُمْ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ وَيَبْتَلِيَهُمْ ، أَيْ : أَنْ يَخْتَبِرَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا .
وَهَذِهِ الْآيَاتُ تُبَيِّنُ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [ 51 \ 56 ] .
وَفِي هَذِهِ الْآيَاتِ إِيضَاحٌ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ : لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ، أَيْ : دُعَاؤُهُ إِيَّاكُمْ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ ، وَابْتِلَاؤُكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ، وَعَلَى هَذَا فَلَا إِشْكَالَ فِي قَوْلِهِ : فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ، أَيْ : ( مَا يَعْبَأُ بِكُمْ لَوْلَا ) دُعَاؤُهُ إِيَّاكُمْ ، أَيْ : وَقَدْ دَعَاكُمْ فَكَذَّبْتُمْ ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ وَحْدَهُ الَّذِي لَا إِشْكَالَ فِيهِ ، فَهُوَ قَوِيٌّ بِدَلَالَةِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ مَعْنَى : لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ، أَيْ : إِخْلَاصُكُمُ الدُّعَاءَ لَهُ أَيُّهَا الْكُفَّارُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكُرُوبِ ، فَقَدْ دَلَّتْ عَلَى مَعْنَاهُ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [ 29 \ 65 ] وَقَوْلِهِ تَعَالَى : جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [ 20 \ 22 ] .
وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَةِ " بَنِي إِسْرَائِيلَ " ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ الْآيَةَ [ 17 \ 67 ] وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ ، فَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ هُوَ مَعْنَى آيَةِ " الْفُرْقَانِ " هَذِهِ .
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَعْنَى : مَا يَصْنَعُ بِعَذَابِكُمْ ، لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى ; فَقَدْ دَلَّ عَلَى مَعْنَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ الْآيَةَ [ 4 \ 147 ] .
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ أَشْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَكْثَرُهَا قَائِلًا ، وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى : لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ، أَيْ : عِبَادَتُكُمْ لَهُ وَحْدَهُ ، قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى مَا يُعْطِيهِ اللَّهُ لِمَنْ أَطَاعَهُ ، وَمَا أَعَدَّهُ لِمَنْ عَصَاهُ ، وَكَثْرَتُهَا مَعْلُومَةٌ لَا خَفَاءَ بِهَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَةَ ( مَا ) ، فِي قَوْلِهِ : قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ [ ص: 84 ] الْعِلْمِ : هِيَ اسْتِفْهَامِيَّةٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هِيَ نَافِيَةٌ وَكِلَاهُمَا لَهُ وَجْهٌ مِنَ النَّظَرِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ : لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ، أَيْ : دُعَاؤُكُمْ إِيَّايَ لِأَغْفِرَ لَكُمْ ، وَأُعْطِيَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ ، رَاجِعٌ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ دُعَاءَ الْمَسْأَلَةِ دَاخِلٌ فِي الْعِبَادَةِ ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ . وَقَوْلُهُ : فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ، أَيْ : بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا [ 25 \ 65 ] أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ، أَيْ : سَوْفَ يَكُونُ الْعَذَابُ مُلَازِمًا لَهُمْ غَيْرَ مُفَارِقٍ ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : إِنَّ الْمُرَادَ بِالْعَذَابِ اللَّازِمِ لَهُمُ الْمُعَبَّرِ عَنْ لُزُومِهِ لَهُمْ ، بِقَوْلِهِ : فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ، أَنَّهُ مَا وَقَعَ مِنَ الْعَذَابِ يَوْمَ بَدْرٍ ، لِأَنَّهُمْ قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَأُسِرَ سَبْعُونَ ، وَالَّذِينَ قُتِلُوا مِنْهُمْ أَصَابَهُمْ عَذَابُ الْقَتْلِ ، وَاتَّصَلَ بِهِ عَذَابُ الْبَرْزَخِ وَالْآخِرَةِ فَهُوَ مُلَازِمٌ لَا يُفَارِقُهُمْ بِحَالٍ ، وَكَوْنُ اللِّزَامِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْعَذَابَ الْوَاقِعَ يَوْمَ بَدْرٍ ، نَقَلَهُ ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَالضَّحَّاكِ ، وَقَتَادَةَ ، وَالسُّدِّيِّ ، وَغَيْرِهِمْ ، ثُمَّ قَالَ : وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ، أَيْ : يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا ، انْتَهَى مِنِ ابْنِ كَثِيرٍ ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ " الدُّرِّ الْمَنْثُورِ " عَنْ أَكْثَرِ الْمَذْكُورِينَ وَغَيْرِهِمْ .
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : إِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ ، قَالُوا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى [ 32 \ 21 ] أَيْ : يَوْمَ بَدْرٍ ، دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ [ 32 \ 21 ] أَيْ : يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَأَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ، وَأَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ بِالْبَطْشِ وَالِانْتِقَامِ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [ 44 \ 16 ] وَأَنَّهُ هُوَ الْفُرْقَانُ الْفَارِقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ [ 8 \ 41 ] وَهُوَ يَوْمُ بَدْرٍ ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي فِيهِ النَّصْرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ الْآيَةَ [ 3 \ 123 ] وَكَوْنُ الْمُرَادِ بِهَذِهِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ يَوْمَ بَدْرٍ ثَبَتَ بَعْضُهُ فِي الصَّحِيحِ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الْبَدَوِيِّ الشِّنْقِيطِيِّ فِي نَظْمِهِ لِلْمَغَازِي فِي الْكَلَامِ عَلَى بَدْرٍ ، وَقَدْ أَتَى مُنَوَّهًا فِي الذِّكْرِ : [ ص: 85 ]
لِأَنَّهُ الْعَذَابُ وَاللِّزَامُ وَأَنَّهُ الْبَطْشُ وَالِانْتِقَامُ وَأَنَّهُ الْفُرْقَانُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْحَقِّ وَالنَّصْرِ سَجِيسَ الدَّهْرِ .
وَمَعْنَى سَجِيسَ الدَّهْرِ ، أَيْ : مَدَّتَهُ .
وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي الْآيَةِ عِنْدِي ، هُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمَصْدَرَ فِيهَا مُضَافٌ إِلَى مَفْعُولِهِ لِجَرَيَانِهِ عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ مِنْ غَيْرِ إِشْكَالٍ وَلَا تَقْدِيرٍ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ قَتَادَةُ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
|