الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        [ ص: 518 ] [ ص: 519 ] الباب الثامن

                        من المقصد الرابع

                        في المنطوق والمفهوم

                        وفيه أربع مسائل

                        المسألة الأولى في حدهما

                        فالمنطوق : ما دل عليه اللفظ في محل النطق ، أي يكون حكما للمذكور ، وحالا من أحواله .

                        والمفهوم : ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق ، أي يكون حكما لغير المذكور ، وحالا من أحواله .

                        والحاصل : أن الألفاظ قوالب للمعاني المستفادة منها ، فتارة تستفاد منها من جهة النطق تصريحا ، وتارة من جهته تلويحا ، فالأول : المنطوق ، والثاني المفهوم .

                        والمنطوق ينقسم إلى قسمين :

                        الأول : ما لا يحتمل التأويل وهو النص .

                        والثاني : ما يحتمله وهو الظاهر .

                        والأول أيضا ينقسم إلى قسمين : صريح إن دل عليه اللفظ بالمطابقة ، أو التضمن وغير صريح إن دل عليه بالالتزام .

                        وغير الصريح ينقسم إلى دلالة اقتضاء ، وإيماء ، وإشارة ; فدلالة الاقتضاء هي إذا توقف الصدق أو الصحة العقلية أو الشرعية عليه ، مع كون ذلك مقصودا للمتكلم .

                        ودلالة الإيماء أن يقترن اللفظ بحكم ، لو لم يكن للتعليل لكان بعيدا وسيأتي بيان هذا في القياس .

                        ودلالة الإشارة حيث لا يكون مقصودا للمتكلم .

                        [ ص: 520 ] [ أقسام المفهوم ]

                        والمفهوم ينقسم إلى مفهوم موافقة ، ومفهوم مخالفة .

                        فمفهوم الموافقة : حيث يكون المسكوت عنه موافقا للملفوظ به ، فإن كان أولى بالحكم من المنطوق به فيسمى " فحوى الخطاب " ، وإن كان مساويا له فيسمى " لحن الخطاب " .

                        وحكى الماوردي والروياني في الفرق بين " فحوى الخطاب " و " لحن الخطاب " وجهين :

                        ( أحدهما ) : أن " الفحوى " ما نبه عليه اللفظ ، و " اللحن " ما لاح في أثناء اللفظ .

                        ( وثانيهما ) : أن " الفحوى " ما دل على ما هو أقوى منه ، و " اللحن " ما دل على مثله .

                        وقال القفال : إن " فحوى الخطاب " ما دل المظهر على المسقط ، و " اللحن " ما يكون محالا على غير المراد ، والأولى ما ذكرناه أولا .

                        وقد شرط بعضهم في مفهوم الموافقة أن يكون أولى من المذكور ، وقد نقله إمام الحرمين الجويني في البرهان عن الشافعي ، وهو ظاهر كلام الشيخ أبي إسحاق الشيرازي ونقله الهندي عن الأكثرين .

                        وأما الغزالي ، وفخر الدين الرازي ، وأتباعهما ، فقد جعلوه قسمين : تارة يكون أولى ، وتارة يكون مساويا ، وهو الصواب ، فجعلوا شرطه أن لا يكون المعنى في المسكوت عنه أقل مناسبة للحكم من المعنى المنطوق به .

                        قال الزركشي : وهو ظاهر كلام الجمهور ، من أصحابنا وغيرهم .

                        وقد اختلفوا في دلالة النص على مفهوم الموافقة ، هل هي لفظية أو قياسية ؟ على قولين ، حكاهما الشافعي في الأمر ، وظاهر كلامه ترجيح أنه قياس ، ونقله الهندي [ ص: 521 ] في النهاية عن الأكثرين .

                        قال الصيرفي : ذهبت طائفة جلة سيدهم الشافعي إلى أن هذا هو القياس الجلي .

                        وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في شرح اللمع إنه الصحيح ، وجرى عليه القفال الشاشي ، فذكره في أنواع القياس .

                        قال سليم الرازي : الشافعي يومئ إلى أنه قياس جلي ، لا يجوز ورود الشرع بخلافه . قال وذهب المتكلمون بأسرهم : الأشعرية والمعتزلة إلى أنه مستفاد من النطق ، وليس بقياس .

                        قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني : الصحيح من المذاهب أنه جار مجرى النطق ، لا مجرى ( القياس وسماه الحنفية دلالة النص ، وقال آخرون : ليس بقياس ولا يسمى ) دلالة النص ، لكن دلالته لفظية .

                        ثم اختلفوا ، فقيل : إن المنع من التأفيف منقول بالعرف عن موضوعه اللغوي إلى المنع من أنواع الأذى .

                        وقيل إنه فهم السياق والقرائن ، وعليه المحققون من أهل هذا القول ، كالغزالي ، وابن القشيري ، والآمدي ، وابن الحاجب ، والدلالة عندهم مجازية ، من باب إطلاق الأخص ، وإرادة الأعم .

                        قال الماوردي : والجمهور على أن دلالته من جهة اللغة لا من القياس .

                        قال القاضي أبو بكر الباقلاني : القول بمفهوم الموافقة من حيث الجملة مجمع عليه .

                        قال ابن رشد : لا ينبغي للظاهرية أن يخالفوا في مفهوم الموافقة لأنه من باب السمع والذي رد ذلك يرد نوعا من الخطاب .

                        قال الزركشي : وقد خالف فيه ابن حزم .

                        قال ابن تيمية وهو مكابرة .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية