الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كتاب الحج [ ص: 454 ] ( هو ) بفتح الحاء وكسرها لغة : القصد إلى معظم لا مطلق القصد كما ظنه بعضهم .

وشرعا ( زيارة ) أي طواف ووقوف ( مكان مخصوص ) أي الكعبة وعرفة ( في زمن مخصوص ) في الطواف من فجر النحر إلى آخر العمر وفي الوقوف من زوال شمس عرفة لفجر النحر ( بفعل مخصوص ) بأن يكون محرما بنية الحج [ ص: 455 ] سابقا كما سيجيء لم يقل لأداء ركن من أركان الدين ليعم حج النفل .

التالي السابق


كتاب الحج

لما كان مركبا من المال والبدن وكان واجبا في العمر مرة ومؤخرا في حديث " { بني الإسلام على خمس } " أخره وختم به العبادات أي الخالصة وإلا فنحو النكاح ، والعتاق ، والوقف يكون عبادة عند النية لكنه لم يشرع لقصد التعبد فقط ، ولذا صح بلا نية بخلاف أركان الإسلام الأربعة فإنها لا تكون إلا عبادة لاشتراط النية فيها هذا ما ظهر لي .

وأورد في النهر على قولهم مركب إنه عبادة بدنية محضة والمال إنما هو شرط في وجوده لا أنه جزء مفهومه . ا هـ .

وفيه أن كونه عبادة مركبة مما اتفقت عليه كلمتهم أصولا وفروعا حتى أوجبوا الحج عن الميت وإن فات عمل البدن لبقاء الجزء الآخر وهو المال كما سيجيء تقريره ، وليس قولهم إنه مركب تعريفا له لبيان ماهيته حتى يقال إن المال شرط فيه لا جزء مفهومه ، بل المراد بيان أن التعبد به لا يتوصل إليه غالبا إلا بأعمال البدن وإنفاق المال [ ص: 454 ] لأجله ، والصلاة والصوم وإن كانتا لا بد لهما من مال كثوب يستر عورته وطعام يقيم بنيته فإن ذلك ليس لأجلهما بمعنى أنه لولاهما لم يفعله ، ولذا لم يجعل المال من شروطهما ، وجعل من شروطه ، وأيضا فإن المال فيهما يسير لا مشقة في إنفاقه بخلاف المال في حج الآفاقي ، فإنه كثير فناسب أن يكون مقصودا في العبادة ولذا وجب دفعه إلى النائب عند العجز الدائم عن الأفعال ، ولم يجب الحج على الفقير القادر على المشي ووجبت الصلاة والصوم على العاجز عن الساتر والسحور هذا ما ظهر لي فافهم .

( قوله بفتح الحاء وكسرها ) بهما قرئ في السبع وقيل الأول الاسم والثاني المصدر ط عن المنح والنهر ( قوله كما ظنه بعضهم ) هو الزيلعي تبعا لإطلاق كثير من كتب اللغة ، ونقل في الفتح تقييده عن ابن السكيت ، وكذا قيده به السيد الشريف في تعريفاته وكذا في الاختيار ( قوله وشرعا زيارة إلخ ) اعلم أنهم عرفوه بأنه قصد البيت لأداء ركن من أركان الدين ففيه معنى اللغة ، واعترضهم في الفتح بأن أركانه الطواف ، والوقوف ، ولا وجود للمتشخص إلا بأجزائه المشخصة ماهيته الكلية منتزعة منها وتعريفه بالقصد لأجل الأعمال مخرج لها عن المفهوم ، اللهم إلا أن يكون تعريفا اسميا غير حقيقي فهو تعريف لمفهوم الاسم عرفا لكن فيه أن المتبادر من الاسم عند الإطلاق ، هو الأعمال المخصوصة لا نفس القصد المخرج لها عن المفهوم مع أنه فاسد في نفسه ، فإنه لا يشمل الحج النفل ، والتعريف إنما هو للحج مطلقا كتعريف الصلاة والصوم وغيرهما للفرض فقط ولأنه حينئذ يخالف سائر أسماء العبادات فإنها أسماء للأفعال كالصلاة للقيام ، والقراءة إلخ ، والصوم للإمساك إلخ والزكاة لأداء المال ، فليكن الحج أيضا عبارة عن الأفعال الكائنة عند البيت وغيره كعرفة ا هـ ملخصا فعدل الشارح عن تفسير الزيلعي الزيارة بالقصد إلى تفسيرها بالطواف والوقوف تبعا للبحر ليكون اسما للأفعال كسائر أسماء العبادات ، ولما ورد عليه أن يكون قوله بفعل مخصوص حشوا إذ المراد به كما قالوا هو الطواف والوقوف تخلص عنه بتفسيره بأن يكون محرما إلخ قيل : ولا يخفى ما فيه لأنه يلزم عليه إدخال الشرط أي الإحرام في التعريف ، فلو أبقى الزيارة على معناها اللغوي وهو الذهاب وفسر الفعل المخصوص بالطواف والوقوف لكان أولى . ا هـ .

وفيه أن الزيارة أيضا ليست ماهيته الحقيقية فيرد ما مر في تفسيره بالقصد على أن الإحرام وإن كان شرطا ابتداء فهو في حكم الركن انتهاء كما سيصرح به الشارح ، ولو سلم فذكر الشرط لا يخل بالتعريف بل لا بد منه لأنه لا يتحقق المعنى الشرعي بدونه كمن صلى بلا طهارة ولذا ذكروا النية في تعريف الزكاة والصوم فافهم .

والتحقيق أن تفسيره بالقصد لا يخرجه عن نظائره من أسماء العبادة لأن المراد بالقصد هنا الإحرام ، وهو عمل القلب واللسان بالنية والتلبية ، أو ما يقوم مقام التلبية من تقليد البدنة مع السوق كما سيأتي ، فيكون عمل الجوارح أيضا ولأن قوله بفعل مخصوص الباء فيه للملابسة والمراد به الطواف والوقوف ، فهو قصد مقترن بهذه الأفعال لا مجرد القصد ، فلم يخرج عن كونه فعلا مخصوصا كسائر أسماء العبادات نعم فرقوا بين الحج وسائر أسماء العبادات حيث جعلوا القصد فيه أصلا ، والفعل تبعا وعكسوا في غيره لأن الشائع في المعاني الاصطلاحية المنقولة عن المعاني اللغوية أن تكون أخص من اللغوية لا مباينة لها .

ولما كان الحج لغة هو مطلق القصد إلى معظم خصصوه بكونه قصدا إلى معظم معين بأفعال معينة ولو جعل اسما للأفعال المعينة أصالة لباين المعنى اللغوي المنقول عنه ، [ ص: 455 ] بخلاف نحو الصوم ، فإنه في اللغة مطلق الإمساك فخصصوه بكونه إمساكا عن المفطرات ، بنية من الليل ، وكذا الزكاة في اللغة الطهارة .

وتزكية الشيء تطهيره .

وتزكية المال المسماة زكاة شرعا تمليك جزء منه فإنه طهارة له - { تطهرهم وتزكيهم بها } - فهي تطهير مخصوص بفعل مخصوص ، وهو التمليك ، فلهذا جعل القصد أصلا في تعريف الحج شرعا دون غيره وإن كان القصد شرطا في الكل وكذا جعل أصلا في تعريف التيمم ، فإنه في اللغة مطلق القصد . وعرفوه شرعا بأنه قصد الصعيد الطاهر على وجه مخصوص ، وهو الضربتان فهو قصد مقترن بفعل فلم يخرج عن كونه اسما لفعل العبد ، وهذا معنى قول الزيلعي جعل الحج اسما لقصد خاص مع زيادة وصف كالتيمم اسم لمطلق القصد ، ثم جعل في الشرع اسما لقصد خاص بزيادة وصف ا هـ هذا ما ظهر لي في تحقيق هذا المحل ( قوله سابقا ) أي على الوقوف والطواف ، أما كونه من الميقات فواجب ط .




الخدمات العلمية