الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم عطف على ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ; لأن ذلك وعيد لهم وهذا تكملة له .

وضمير الجمع في قوله تعالى يخزيهم عائد إلى ما عاد إليه الضمير المجرور باللام في قوله تعالى وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم ، وذلك عائد إلى الذين لا يؤمنون بالآخرة .

[ ص: 136 ] و ( ثم ) للترتيب الرتبي ، فإن خزي الآخرة أعظم من استئصال نعيم الدنيا .

والخزي : الإهانة ، وقد تقدم عند قوله تعالى فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا في سورة البقرة .

وتقديم الظرف للاهتمام بيوم القيامة ; لأنه يوم الأحوال الأبدية فما فيه من العذاب مهول للسامعين .

و ( أين ) للاستفهام عن المكان ، وهو يقتضي العلم بوجود من يحل في المكان ، ولما كان المقام هنا مقام تهكم كان الاستفهام عن المكان مستعملا في التهكم ; ليظهر لهم كالطماعية للبحث عن آلهتهم ، وهم علموا أن لا وجود لهم ولا مكان لحلولهم .

وإضافة الشركاء إلى ضمير الجلالة زيادة في التوبيخ ; لأن مظهر عظمة الله تعالى يومئذ للعيان ينافي أن يكون له شريك ، فالمخاطبون عالمون حينئذ بتعذر المشاركة .

والموصول من قوله تعالى الذين كنتم تشاقون فيهم للتنبيه على ضلالهم وخطئهم في ادعاء المشاركة مثل الذي في قول عبدة :


إن الذين ترونـهـم إخـوانـكـم يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا



والمشاقة : المشادة في الخصومة ، كأنها خصومة لا سبيل معها إلى الوفاق ، إذ قد صار كل خصم في شق غير شق الآخر .

وقرأ نافع ( تشاقون ) بكسر النون على حذف ياء المتكلم ، أي تعاندونني ، وذلك بإنكارهم ما أمرهم الله على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وقرأ البقية تشاقون بفتح النون وحذف المفعول للعلم ، أي تعاندون من يدعوكم إلى التوحيد .

و ( في ) للظرفية المجازية مع حذف مضاف ، إذ المشاقة لا تكون في الذوات بل في المعاني ، والتقدير : في إلهيتهم أو في شأنهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية