الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 364 ] فصل في المباح وهو ما أذن في فعله وتركه من حيث هو ترك له من غير تخصيص أحدهما باقتضاء مدح أو ذم ، فخرج بالإذن بقاء الأشياء على حكمها قبل ورود الشرع ، فإنه لا يسمى مباحا ، وخرج فعل الله فلا يوصف بالإباحة باتفاق أهل الحق كما قاله الإمام في " التلخيص " ، والأستاذ ; لأنه لا يجوز أن يوصف بأنه مأذون له فيه . وقولنا : من حيث هو ترك للإشارة إلى أنه قد يترك المباح بالحرام والواجب والمندوب ، فلا يكون تركه وفعله سواء ، بل يكون تركه واجبا ، وإنما يستوي الأمران إذا ترك المباح بمثله كترك البيع بالاشتغال بعقد الإجارة ، وقد يترك بالواجب كترك البيع بالاشتغال بالأمر بالمعروف المتعين عليه ، وقد يترك بمندوب كترك البيع بالاشتغال بالذكر والقراءة ، وقد يترك بالحرام ، كترك البيع بالاشتغال بالكذب والقذف . [ ص: 365 ] والحاصل : أن حكم المباح يتغير بمراعاة غيره فيصير واجبا إذا كان في تركه الهلاك ، ويصير محرما إذا كان في فعله فوات فريضة أو حصول مفسدة كالبيع وقت النداء ويصير مكروها إذا اقترنت به نية مكروه ، ويصير مندوبا إذا قصد به العون على الطاعة . وقال الغزالي في " الإحياء " : بعض المباح يصير بالمواظبة عليه صغيرة كالترنم بالغناء ، ولعب الشطرنج ، وكلام ابن الصباغ وغيره يقتضي أنه لا يصير . واعلم أن جماعة من أصحابنا حدوا المباح بأنه الذي لا حرج في فعله ولا في تركه ، مع قولهم : إن الإباحة حكم شرعي . والجمع بين الكلامين عسر ، وذلك ; لأن المباح بهذا التفسير يدخل فيه فعل الله وفعل الساهي والغافل والنائم والصبي والمجنون والبهيمة ضرورة أنه لا حرج في ذلك ; لاستحالة تعلق المنع الشرعي بها ، فإذا شملت الإباحة لهذه الأفعال التي تمنع كونها متعلق الحكم الشرعي امتنع لاستحالة كون الإباحة حكما شرعيا ، وإلا لما تعلقت به الأفعال ، وقد تقرر أنها متعلقة بها .

                                                      ومن أسمائه : الحلال والمطلق والجائز ، وقال الأستاذ أبو إسحاق في " شرح كتاب الترتيب " : كل مباح جائز ، وليس كل جائز مباحا ، فإنا نقول في أفعال الله : إنها جائز حدوثها ، ولا نقول : إنها مباحة . قال القاضي أبو بكر : وهو سبحانه يريد المباح إذا وقع لتعلق إرادة الله ثمت بكل المرادات . [ ص: 366 ] وخالفت المعتزلة ، فقالوا : إن الله تعالى غير مريد للمباح ولا كاره له ، ونشأ من هذه المسألة ، وذلك أنهم قالوا : لو أراد الرب سبحانه فعل شيء وردت فيه صيغة الأمر لم يكن ذلك إلا تكليفا .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية