الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حجج ]

                                                          حجج : الحج : القصد . حج إلينا فلان أي قدم ؛ وحجه يحجه حجا : قصده . وحججت فلانا واعتمدته أي قصدته . ورجل محجوج أي مقصود . وقد حج بنو فلان فلانا إذا أطالوا الاختلاف إليه ؛ قال المخبل السعدي :


                                                          وأشهد من عوف حلولا كثيرة يحجون سب الزبرقان المزعفرا



                                                          أي يقصدونه ويزورونه . قال ابن السكيت : يقول يكثرون الاختلاف إليه ، هذا الأصل ، ثم تعورف استعماله في القصد إلى مكة للنسك والحج إلى البيت خاصة ، تقول حج يحج حجا . والحج : قصد التوجه إلى البيت بالأعمال المشروعة فرضا وسنة ، تقول : حججت البيت أحجه حجا إذا قصدته ، وأصله من ذلك . وجاء في التفسير : أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم الحج ، فقام رجل من بني أسد فقال : يا رسول الله ، أفي كل عام ؟ فأعرض عنه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فعاد الرجل ثانية ، فأعرض عنه ، ثم عاد ثالثة ، فقال عليه الصلاة والسلام : ما يؤمنك أن أقول نعم ، فتجب ، فلا تقومون بها فتكفرون ؟ أي تدفعون وجوبها لثقلها فتكفرون . وأراد ، عليه الصلاة والسلام : ما يؤمنك أن يوحى إلي أن قل نعم فأقول ؟ وحجه يحجه ، وهو الحج . قال سيبويه : حجه يحجه حجا ، كما قالوا : ذكره ذكرا ؛ وقوله أنشده ثعلب :


                                                          يوم ترى مرضعة خلوجا     وكل أنثى حملت خدوجا
                                                          وكل صاح ثملا مؤوجا     ويستخف الحرم المحجوجا



                                                          فسره فقال : يستخف الناس الذهاب إلى هذه المدينة لأن الأرض دحيت من مكة ، فيقول : يذهب الناس إليها لأن يحشروا منها . ويقال : إنما يذهبون إلى بيت المقدس . ورجل حاج وقوم حجاج وحجيج والحجيج : جماعة الحاج . قال الأزهري : ومثله غاز وغزي ، وناج ونجي وناد وندي ، للقوم يتناجون ويجتمعون في مجلس ، وللعادين على أقدامهم عدي ؛ وتقول : حججت البيت أحجه حجا ، فأنا حاج . وربما أظهروا التضعيف في ضرورة الشعر ؛ قال الراجز :


                                                          بكل شيخ عامر أو حاجج



                                                          ويجمع على حج مثل بازل وبزل ، وعائذ وعوذ ؛ وأنشد أبو زيد لجرير يهجو الأخطل ويذكر ما صنعه الجحاف بن حكيم السلمي من قتل بني تغلب قوم الأخطل بالبشر ، وهو ماء لبني تميم :


                                                          قد كان في جيف بدجلة ، حرقت     أو في الذين على الرحوب شغول
                                                          وكأن عافية النسور عليهم     حج ، بأسفل ذي المجاز نزول



                                                          يقول : لما كثرت قتلى بني تغلب جافت الأرض ؛ فحرقوا ليزول نتنهم . والرحوب : ماء لبني تغلب . والمشهور في رواية البيت : حج ، بالكسر ، وهو اسم الحاج . وعافية النسور : هي الغاشية التي تغشى لحومهم . وذو المجاز : سوق من أسواق العرب . والحج ، بالكسر : الاسم . والحجة : المرة الواحدة ، وهو من الشواذ ؛ لأن القياس بالفتح . وأما قولهم : أقبل الحاج والداج ؛ فقد يكون أن يراد به الجنس ، وقد يكون اسما للجمع كالجامل والباقر . وروى الأزهري عن أبي طالب في قولهم : ما حج ولكنه دج ؛ قال : الحج الزيارة والإتيان ، وإنما سمي حاجا بزيارة بيت الله تعالى ؛ قال دكين :


                                                          ظل يحج ، وظللنا نحجبه     وظل يرمى بالحصى مبوبه



                                                          قال : والداج الذي يخرج للتجارة . وفي الحديث : لم يترك حاجة ولا داجة ) الحاج والحاجة : أحد الحجاج ، والداج والداجة : الأتباع ؛ يريد الجماعة الحاجة ومن معهم من أتباعهم ؛ ومنه الحديث : هؤلاء الداج وليسوا بالحاج ) يقال للرجل الكثير الحج : إنه لحجاج ، بفتح الجيم من غير إمالة ، وكل نعت على فعال فهو غير ممال الألف ، فإذا صيروه اسما خاصا تحول عن حال النعت ، ودخلته الإمالة ، كاسم الحجاج والعجاج . والحج : الحجاج ؛ قال :


                                                          كأنما ، أصواتها بالوادي     أصوات حج من عمان عادي



                                                          هكذا أنشده ابن دريد بكسر الحاء . قال سيبويه : وقالوا حجة واحدة ، يريدون عمل سنة واحدة . قال الأزهري : الحج قضاء نسك سنة واحدة ، وبعض يكسر الحاء فيقول : الحج والحجة ؛ وقرئ : ولله على الناس حج البيت والفتح أكثر . وقال الزجاج في قوله تعالى : ولله على الناس حج البيت يقرأ بفتح الحاء وكسرها ، والفتح الأصل . والحج : اسم العمل . واحتج البيت : كحجه عن الهجري ؛ وأنشد :


                                                          تركت احتجاج البيت ، حتى تظاهرت      [ ص: 38 ] علي ذنوب بعدهن ذنوب



                                                          وقوله تعالى : الحج أشهر معلومات هي شوال وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة . وقال الفراء : معناه وقت الحج هذه الأشهر . وروي عن الأثرم وغيره : ما سمعناه من العرب حججت حجة ، ولا رأيت رأية ، وإنما يقولون حججت حجة . قال : والحج والحج ليس عند الكسائي بينهما فرقان . وغيره يقول : الحج حج البيت ، والحج عمل السنة . وتقول : حججت فلانا إذا أتيته مرة بعد مرة ، فقيل : حج البيت لأن الناس يأتونه كل سنة . قال الكسائي : كلام العرب كله على فعلت فعلة إلا قولهم حججت حجة ، ورأيت رؤية . والحجة : السنة ، والجمع حجج . وذو الحجة : شهر الحج ، سمي بذلك للحج فيه ، والجمع ذوات الحجة ، وذوات القعدة ، ولم يقولوا : ذوو على واحده . وامرأة حاجة ونسوة حواج بيت الله بالإضافة إذا كن قد حججن ، وإن لم يكن قد حججن ، قلت : حواج بيت الله ، فتنصب البيت لأنك تريد التنوين في حواج ، إلا أنه لا ينصرف ، كما يقال : هذا ضارب زيد أمس ، وضارب زيدا غدا ، فتدل بحذف التنوين على أنه قد ضربه ، وبإثبات التنوين على أنه لم يضربه . وأحججت فلانا إذا بعثته ليحج . وقولهم : وحجة الله لا أفعل ! بفتح أوله وخفض آخره ، يمين للعرب . الأزهري : ومن أمثال العرب : لج فحج ؛ معناه لج فغلب من لاجه بحججه . يقال : حاججته أحاجه حجاجا ومحاجة حتى حججته أي غلبته بالحجج التي أدليت بها ؛ قيل : معنى قوله لج فحج أي أنه لج وتمادى به لجاجه ، وأداه اللجاج إلى أن حج البيت الحرام ، وما أراده ؛ أريد : أنه هاجر أهله بلجاجه حتى خرج حاجا . والمحجة : الطريق ؛ وقيل : جادة الطريق ؛ وقيل : محجة الطريق سننه . والحجوج : الطريق تستقيم مرة وتعوج أخرى ؛ وأنشد :


                                                          أجد أيامك من حجوج     إذا استقام مرة يعوج



                                                          والحجة : البرهان ؛ وقيل : الحجة ما دوفع به الخصم ؛ وقال الأزهري : الحجة الوجه الذي يكون به الظفر عند الخصومة . وهو رجل محجاج أي جدل . والتحاج : التخاصم ؛ وجمع الحجة : حجج وحجاج . وحاجه محاجة وحجاجا : نازعه الحجة . وحجه يحجه حجا : غلبه على حجته . وفي الحديث : ( فحج آدم موسى ) أي غلبه بالحجة . واحتج بالشيء : اتخذه حجة ؛ قال الأزهري : إنما سميت حجة لأنها تحج أي تقصد لأن القصد لها وإليها ؛ وكذلك محجة الطريق هي المقصد والمسلك . وفي حديث الدجال : ( إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه ) أي محاجه ومغالبه بإظهار الحجة عليه . والحجة : الدليل والبرهان . يقال : حاججته فأنا محاج وحجيج ، فعيل بمعنى فاعل . ومنه حديث معاوية : ( فجعلت أحج خصمي أي أغلبه بالحجة ) . وحجه يحجه حجا ، فهو محجوج وحجيج ، إذا قدح بالحديد في العظم إذا كان قد هشم حتى يتلطخ الدماغ بالدم فيقلع الجلدة التي جفت ، ثم يعالج ذلك فيلتئم بجلد ويكون آمة ؛ قال أبو ذؤيب يصف امرأة :


                                                          وصب عليها الطيب حتى كأنها     أسي ، على أم الدماغ ، حجيج



                                                          وكذلك حج الشجة يحجها حجا إذا سبرها بالميل ليعالجها ؛ قال عذار بن درة الطائي :


                                                          يحج مأمومة ، في قعرها لجف     فاست الطبيب قذاها كالمغاريد



                                                          المغاريد : جمع مغرود ، هو صمغ معروف . وقال : يحج يصلح مأمومة شجة بلغت أم الرأس ؛ وفسر ابن دريد هذا الشعر ؛ فقال : وصف هذا الشاعر طبيبا يداوي شجة بعيدة القعر ، فهو يجزع من هولها ، فالقذى يتساقط من استه كالمغاريد ؛ وقال غيره : است الطبيب يراد بها ميله ، وشبه ما يخرج من القذى على ميله بالمغاريد . والمغاريد : جمع مغرود ، وهو صمغ معروف . وقيل : الحج أن يشج الرجل فيختلط الدم بالدماغ ، فيصب عليه السمن المغلى حتى يظهر الدم ، فيؤخذ بقطنة . الأصمعي : الحجيج من الشجاج الذي قد عولج ، وهو ضرب من علاجها . وقال ابن شميل : الحج أن تفلق الهامة فتنظر هل فيها عظم أو دم . قال : والوكس أن يقع في أم الرأس دم أو عظام أو يصيبها عنت ؛ وقيل : حج الجرح سبره ليعرف غوره ؛ عن ابن الأعرابي . والحجج : الجراح المسبورة . وقيل : حججتها قستها ، وحججته حجا ، فهو حجيج ، إذا سبرت شجته بالميل لتعالجه . والمحجاج : المسبار . وحج العظم يحجه حجا : قطعه من الجرح واستخرجه ، وقد فسره بعضهم بما أنشدنا لأبي ذؤيب . ورأس أحج : صلب . واحتج الشيء : صلب ؛ قال المرار الفقعسي يصف الركاب في سفر كان سافره :


                                                          ضربن بكل سالفة ورأس     أحج كأن مقدمه نصيل



                                                          والحجاج والحجاج : العظم النابت عليه الحاجب . والحجاج : العظم المستدير حول العين ، ويقال : بل هو الأعلى تحت الحاجب ؛ وأنشد قول العجاج :


                                                          إذا حجاجا مقلتيها هججا



                                                          وقال ابن السكيت : هو الحجاج . والحجاج : العظم المطبق على وقبة العين وعليه منبت شعر الحاجب . والحجاج والحجاج ، بفتح الحاء ، وكسرها : العظم الذي ينبت عليه الحاجب ، والجمع أحجة ؛ قال رؤبة :


                                                          صكي حجاجي رأسه وبهزي



                                                          وفي الحديث : ( كانت الضبع وأولادها في حجاج عين رجل من العماليق ) . الحجاج ، بالكسر والفتح : العظم المستدير حول العين ؛ ومنه حديث جيش الخبط : ( فجلس في حجاج عينه كذا كذا نفرا ) يعني السمكة التي وجدوها على البحر . وقيل : الحجاجان العظمان المشرفان على غاربي العينين ؛ وقيل : هما منبتا شعر الحاجبين من العظم ؛ وقوله :


                                                          تحاذر وقع الصوت خرصاء ضمها [ ص: 39 ]     كلال ، فحالت في حجا حاجب ضمر



                                                          فإن ابن جني قال : يريد في حجاج حاجب ضمر ، فحذف للضرورة ؛ قال ابن سيده : وعندي أنه أراد بالحجا هاهنا الناحية ؛ والجمع : أحجة وحجج . قال أبو الحسن : حجج شاذ لأن ما كان من هذا النحو لم يكسر على فعل ، كراهية التضعيف ؛ فأما قوله :


                                                          يتركن بالأمالس السمالج     للطير واللغاوس الهزالج
                                                          كل جنين معر الحواجج



                                                          فإنه جمع حجاجا على غير قياس ، وأظهر التضعيف اضطرارا . والحجج : الوقرة في العظم . والحجة ، بكسر الحاء ، والحاجة : شحمة الأذن ، الأخيرة اسم كالكاهل والغارب ؛ قال لبيد يذكر نساء :


                                                          يرضن صعاب الدر في كل حجة     وإن لم تكن أعناقهن عواطلا
                                                          غرائر أبكار ، عليها مهابة     وعون كرام يرتدين الوصائلا



                                                          يرضن صعاب الدر أي يثقبنه . والوصائل : برود اليمن ، واحدتها وصيلة . والعون جمع عوان : للثيب . وقال بعضهم : الحجة هاهنا الموسم ؛ وقيل : في كل حجة أي في كل سنة ، وجمعها حجج . أبو عمرو : الحجة والحجة ثقبة شحمة الأذن . والحجة أيضا : خرزة أو لؤلؤة تعلق في الأذن ؛ قال ابن دريد : وربما سميت حاجة . وحجاج الشمس : حاجبها ، وهو قرنها ؛ يقال : بدا حجاج الشمس . وحجاجا الجبل : جانباه . والحجج : الطرق المحفرة . والحجاج : اسم رجل ؛ أماله بعض أهل الإمالة في جميع وجوه الإعراب على غير قياس في الرفع والنصب ، ومثل ذلك الناس في الجر خاصة ؛ قال ابن سيده : وإنما مثلته به لأن ألف الحجاج زائدة غير منقلبة ، ولا يجاورها مع ذلك ما يوجب الإمالة ، وكذلك الناس لأن الأصل إنما هو الأناس فحذفوا الهمزة ، وجعلوا اللام خلفا منها كالله إلا أنهم قد قالوا الأناس ، قال : وقالوا مررت بناس فأمالوا في الجر خاصة ، تشبيها للألف بألف فاعل ؛ لأنها ثانية مثلها ، وهو نادر لأن الألف ليست منقلبة ؛ فأما في الرفع والنصب فلا يميله أحد ، وقد يقولون : حجاج ، بغير ألف ولام ، كما يقولون : العباس وعباس ، وتعليل ذلك مذكور في مواضعه . وحجج : من زجر الغنم . وفي حديث الدعاء : ( اللهم ثبت حجتي في الدنيا والآخرة ) أي قولي وإيماني في الدنيا وعند جواب الملكين في القبر .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية