الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                    ( فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين ( 32 ) والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ( 33 ) لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ( 34 ) ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون ( 35 ) ) .

                                                                                                                                                                                                    يقول تعالى مخاطبا للمشركين الذين افتروا على الله ، وجعلوا معه آلهة أخرى ، وادعوا أن الملائكة بنات الله ، وجعلوا لله ولدا - تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا - ومع هذا كذبوا بالحق إذ جاءهم على ألسنة رسل الله ، صلوات الله [ وسلامه ] عليهم أجمعين ، ولهذا قال : ( فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه ) أي : لا أحد أظلم من هذا ; لأنه جمع بين طرفي الباطل ، [ ص: 99 ] كذب على الله ، وكذب رسول الله ، قالوا الباطل وردوا الحق ; ولهذا قال متوعدا لهم : ( أليس في جهنم مثوى للكافرين ) وهم الجاحدون المكذبون .

                                                                                                                                                                                                    ثم قال : ( والذي جاء بالصدق وصدق به ) قال مجاهد ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، وابن زيد : ( الذي جاء بالصدق ) هو الرسول . وقال السدي : هو جبريل - عليه السلام - ( وصدق به ) يعني : محمدا - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                    وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( والذي جاء بالصدق ) قال : من جاء بلا إله إلا الله ، ( وصدق به ) يعني : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                    وقرأ الربيع بن أنس : " الذين جاءوا بالصدق " يعني : الأنبياء ، " وصدقوا به " يعني : الأتباع .

                                                                                                                                                                                                    وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد : ( والذي جاء بالصدق وصدق به ) قال : أصحاب القرآن المؤمنون يجيئون يوم القيامة ، فيقولون : هذا ما أعطيتمونا ، فعملنا فيه بما أمرتمونا .

                                                                                                                                                                                                    وهذا القول عن مجاهد يشمل كل المؤمنين ، فإن المؤمن يقول الحق ويعمل به ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - أولى الناس بالدخول في هذه الآية على هذا التفسير ، فإنه جاء بالصدق ، وصدق المرسلين ، وآمن بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون ، كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله .

                                                                                                                                                                                                    وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ( والذي جاء بالصدق ) هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( وصدق به ) المسلمون .

                                                                                                                                                                                                    ( أولئك هم المتقون ) قال ابن عباس : اتقوا الشرك .

                                                                                                                                                                                                    ( لهم ما يشاءون عند ربهم ) يعني : في الجنة ، مهما طلبوا وجدوا ، ( ذلك جزاء المحسنين ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون ) كما قال في الآية الأخرى : ( أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ) [ الأحقاف : 16 ] .

                                                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية