الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون

استئناف ابتدائي لإبطال جزء من كلامهم المستهزئين به ، إذ قالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر ، بعد أن عجل كشف شبهتهم في قولهم لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين .

جاء نشر الجوابين على عكس لف المقالين اهتماما بالابتداء برد المقال الثاني بما فيه من الشبهة بالتعجيز والإفحام ، ثم ثني العنان إلى رد تعريضهم بالاستهزاء وسؤال رؤية الملائكة .

وكان هذا الجواب من نوع القول بالموجب بتقرير إنزال الذكر على الرسول - صلى الله عليه وسلم - مجاراة لظاهر كلامهم .

والمقصود الرد عليهم في استهزائهم ، فأكد الخبر بـ ( إنا ) ، وضمير الفصل مع موافقته لما في الواقع كقوله قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون .

[ ص: 21 ] ثم زاد ذلك ارتقاء ونكاية لهم ، بأن منزل الذكر هو حافظه من كيد الأعداء ; فجملة وإنا له لحافظون معترضة ، والواو اعتراضية .

والضمير المجرور باللام عائد إلى الذكر ، واللام لتقوية عمل العامل لضعفه بالتأخير عن معموله .

وشمل حفظه الحفظ من التلاشي ، والحفظ من الزيادة والنقصان فيه ، بأن يسر تواتره وأسباب ذلك ، وسلمه من التبديل والتغيير حتى حفظته الأمة عن ظهور قلوبها من حياة النبيء - صلى الله عليه وسلم - ، فاستقر بين الأمة بمسمع من النبيء - صلى الله عليه وسلم - وصار حفاظه بالغين عدد التواتر في كل مصر .

وقد حكى عياض في المدارك : أن القاضي إسماعيل بن إسحاق بن حماد المالكي البصري سئل عن السر في تطرق التغيير للكتب السالفة وسلامة القرآن من طرق التغيير له ، فأجاب بأن الله أوكل للأحبار حفظ كتبهم فقال : بما استحفظوا من كتاب الله - وتولى حفظ القرآن بذاته تعالى فقال إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون قال أبو الحسن بن المنتاب ذكرت هذا الكلام للمحاملي فقال لي : لا أحسن من هذا الكلام .

[ ص: 22 ] وفي تفسير القرطبي في خبر رواه عن يحيى بن أكثم : أنه ذكر قصة إسلام رجل يهودي في زمن المأمون ، وحدث بها سفيان بن عيينة فقال سفيان : قال الله في التوراة والإنجيل بما استحفظوا من كتاب الله فجعل حفظه إليهم فضاع ، وقال عز وجل إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون فحفظه الله تعالى علينا فلم يضع اهـ ، ولعل هذا من توارد الخواطر .

وفي هذا مع التنويه بشأن القرآن إغاظة للمشركين بأن أمر هذا الدين سيتم ، وينتشر القرآن ، ويبقى على مر الأزمان ، وهذا من التحدي ليكون هذا الكلام كالدليل على أن القرآن منزل من عند الله آية على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - ; لأنه لو كان من قول البشر أو لم يكن آية لتطرقت إليه الزيادة والنقصان ولاشتمل على الاختلاف ، قال تعالى أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية