الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى استفهام إنكاري ، ومورد الإنكار هو وقوع الشك في وجود الله ، فقدم متعلق الشك للاهتمام به ، ولو قال : أشك في الله ، لم يكن له هذا الوقع ، مثل قول القطامي :


أكفرا بعد رد الموت عني وبعد عطائك المائة الرتاعا

فكان أبلغ له لو أمكنه أن يقول : أبعد رد الموت عني كفر .

وعلق اسم الجلالة بالشك ، والاسم العلم يدل على الذات ، والمراد : إنكار وقوع الشك في أهم الصفات الإلهية وهي صفة التفرد بالإلهية ، أي : صفة الوحدانية .

وأتبع اسم الجلالة بالوصف الدال على وجوده وهو وجود السماوات والأرض الدال على أن لهما خالقا حكيما لاستحالة صدور تلك المخلوقات [ ص: 199 ] العجيبة المنظمة عن غير فاعل مختار ، وذلك معلوم بأدنى تأمل ، وذلك تأييد لإنكار وقوع الشك في انفراده بالإلهية ; لأن انفراده بالخلق يقتضي انفراده باستحقاقه عبادة مخلوقاته .

وجملة يدعوكم حال من اسم الجلالة ، أي : يدعوكم أن تنبذوا الكفر ليغفر لكم ما أسلفتم من الشرك ويدفع عنكم عذاب الاستئصال فيؤخركم في الحياة إلى أجل معتاد .

والدعاء : حقيقته النداء . فأطلق على الأمر والإرشاد مجازا ;لأن الآمر ينادي المأمور .

ويعدى فعل الدعاء إلى الشيء المدعو إليه بحرف الانتهاء غالبا وهو ( إلى ) ، نحو قوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ، قد يعدى بلام التعليل داخلة على ما جعل سببا للدعوة فإن العلة تدل على المعلول ، كقوله تعالى وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم ، أي : دعوتهم إلى سبب المغفرة لتغفر ، أي : دعوتهم إلى الإيمان لتغفر لهم ، وهو في هذه الآية كذلك ، أي : يدعوكم إلى التوحيد ليغفر لكم من ذنوبكم .

وقد يعدى فعل الدعوة إلى المدعو إليه باللام تنزيلا للشيء الذي يدعى إلى الوصول إليه منزلة الشيء الذي لأجله يدعى ، كقول أعرابي من بني أسد :


دعوت لما نابني مسورا     فلبى فلبي يدي مسور



التالي السابق


الخدمات العلمية