الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 161 ] ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها رجع الخليفة المتقي إلى بغداد وخلع من الخلافة وسملت عيناه . كان المتقي وهو مقيم بالموصل قد أرسل إلى الإخشيد محمد بن طغج صاحب الديار المصرية والبلاد الشامية ، فأقبل إليه وقدم عليه في المنتصف من المحرم من هذه السنة ، وخضع للخليفة غاية الخضوع ، وكان يقوم بين يديه كما يقوم الغلمان ، ويمشي والخليفة راكب ، ثم عرض عليه أن يسير معه إلى الديار المصرية ، أو يقيم ببلاد الشام فأبى عليه ذلك ، فأشار عليه بالمقام بمكانه الذي هو فيه ، ولا يذهب إلى توزون ببغداد ، وحذره من توزون ومكره وخديعته ، فلم يقبل ، وكذلك أشار على الوزير أبي حسين بن مقلة فلم يسمع ، فأهدى ابن طغج للخليفة هدايا كثيرة فاخرة ، وكذلك إلى الأمراء والكبراء والوزير ، ثم كر راجعا إلى بلاده . وقد اجتاز بحلب ، فانحاز عنها صاحبها أبو عبد الله بن سعيد بن حمدان ، وكان ابن مقاتل بها ، فأرسله إلى الديار المصرية نائبا عنه حتى يعود إليها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 162 ] وأما الخليفة فإنه ركب من الرقة في دجلة إلى بغداد وأرسل إلى توزون فاستوثق منه ما كان حلف له من الأيمان ، فأكدها وقررها ، فلما اقترب منها خرج إليه توزون ومعه العساكر ، فلما رأى الخليفة قبل الأرض بين يديه ، وأظهر له أنه قد وفى له بما كان حلف عليه ، وأنزله في مضربه ، ثم جاء فاحتاط على من معه من الكبراء ، وأمر بسمل عيني الخليفة فسملت عيناه ، فصاح صيحة عظيمة سمعها الحرم ، فضجت الأصوات بالبكاء ، فأمر توزون بضرب الدبادب ; حتى لا تسمع أصوات الحرم ، ثم انحدر من فوره إلى بغداد فبايع للمستكفي بالله ، فكانت خلافة المتقي لله ثلاث سنين وخمسة أشهر وعشرين يوما ، وقيل : وأحد عشر شهرا . وستأتي ترجمته عند ذكر وفاته .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية