الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد معطوفة على جملة ولو أن قرآنا سيرت به الجبال على بعض الوجوه في تلك الجملة . وهي تهديد بالوعيد على تعنتهم وإصرارهم على عدم الاعتراف بمعجزة القرآن ، وتهكمهم باستعجال العذاب الذي توعدوا به ، فهددوا بما سيحل بهم من الخوف بحلول الكتائب والسرايا بهم تنال الذين حلت فيهم وتخيف من حولهم حتى يأتي وعد الله بيوم بدر أو فتح مكة .

[ ص: 146 ] واستعمال لا يزال في أصلها تدل على الإخبار باستمرار شيء واقع ، فإذا كانت هذه الآية مكية تعين أن تكون نزلت عند وقوع بعض الحوادث المؤلمة بقريش من جوع أو مرض . فتكون هذه الآية تنبيها لهم بأن ذلك عقاب من الله تعالى ووعيد بأن ذلك دائم فيهم حتى يأتي وعد الله ، ولعلها نزلت في مدة إصابتهم بالسنين السبع المشار إليها بقوله تعالى ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات .

ومن جعلوا هذه السورة مدنية فتأويل الآية عندهم أن القارعة السرية من سرايا المسلمين التي تخرج لتهديد قريش ومن حولهم . وهو لا ملجئ إليه .

والقارعة : في الأصل وصف من القرع . وهو ضرب جسم بجسم آخر . يقال : قرع الباب إذا ضربه بيده بحلقة . ولما كان القرع يحدث صوتا مباغتا يكون مزعجا ، لأجل تلك البغتة صار القرع مجازا للمباغتة والمفاجأة ، ومثله الطرق ، وصاغوا من هذا الوصف صيغة تأنيث إشارة إلى موصوف ملتزم الحذف اختصارا لكثرة الاستعمال ، وهو ما يؤول بالحادثة أو الكائنة أو النازلة ، كما قالوا : داهية وكارثة ، أي نازلة موصوفة بالإزعاج فإن بغت المصائب أشد وقعا على النفس . ومنه تسمية ساعة البعث بالقارعة .

والمراد هنا الحادثة المفجعة بقرينة إسناد الإصابة إليها . وهي مثل الغارة والكارثة تحل فيهم فيصيبهم عذابها ، أو تقع بالقرب منهم فيصيبهم الخوف من تجاوزها إليهم ، فليس المراد بالقارعة الغزو والقتال لأنه لم يتعارف إطلاق اسم القارعة على موقعة القتال . ولذلك لم يكن في الآية ما يدل على أنها مما نزل بالمدينة .

ومعنى بما صنعوا بسبب فعلهم وهو كفرهم وسوء معاملتهم نبيهم ، وأتى في ذلك بالموصول لأنه أشمل لأعمالهم .

وضمير تحل عائد إلى قارعة فيكون ترديدا لحالهم بين إصابة القوارع إياهم وبين حلول القوارع قريبا من أرضهم فهم في رعب منها وفزع .

[ ص: 147 ] ويجوز أن يكون تحل خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم أي أو تحل أنت مع الجيش قريبا من دارهم . والحلول : النزول .

وتحل : بضم الحاء مضارع حل اللازم . وقد التزم فيه الضم ، وهذا الفعل مما استدركه بحرق اليمني على ابن مالك في شرح الأفعال ، وهو وجيه .

و وعد الله من إطلاق المصدر على المفعول ، أي موعود الله ، وهو ما توعدهم به من العذاب ، كما في قوله قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ، فأشارت الآية إلى استئصالهم لأنها ذكرت الغلب ودخول جهنم ، فكان المعنى أنه غلب القتل بسيوف المسلمين وهو البطشة الكبرى . ومن ذلك يوم بدر ويوم حنين ويوم الفتح .

وإتيان الوعد : مجاز في وقوعه وحلوله .

وجملة إن الله لا يخلف الميعاد تذييل لجملة حتى يأتي وعد الله إيذانا بأن إتيان الوعد المغيا به محقق وأن الغاية به غاية بأمر قريب الوقوع . والتأكيد مراعاة لإنكار المشركين .

التالي السابق


الخدمات العلمية