الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 214 ] باب التمتع

وهو أفضل من الإفراد . وصفته : أن يحرم بعمرة في أشهر الحج ، ويطوف ويسعى ، ويحلق أو يقصر وقد حل ، ثم يحرم بالحج يوم التروية ، وقبله أفضل ، ويفعل كالمفرد ، ويرمل ويسعى ، وعليه دم التمتع ، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام آخرها يوم عرفة ، ولو صامها قبل ذلك وهو محرم جاز ، وسبعة إذا فرغ من أفعال الحج ، فإن لم يصم الثلاثة لم يجزه إلا الدم ( ف ) ، وإن شاء أن يسوق الهدي أحرم بالعمرة وساق وفعل ما ذكرنا وهو أفضل ، ولا يتحلل من عمرته ، ويحرم بالحج ، فإذا حلق يوم النحر حل من الإحرامين وذبح دم التمتع ، وليس لأهل مكة ومن كان داخل الميقات تمتع ولا قران ، وإن عاد المتمتع إلى أهله بعد العمرة ولم يكن ساق الهدي بطل تمتعه ، وإن ساق لم يبطل ( م ) .

[ ص: 214 ]

التالي السابق


[ ص: 214 ] باب التمتع

وهو الجمع بين أفعال العمرة والحج في أشهر الحج في سنة واحدة بإحرامين بتقديم أفعال العمرة من غير أن يلم بأهله إلماما صحيحا ، حتى لو أحرم قبل أشهر الحج وأتى بأفعال العمرة في أشهر الحج كان تمتعا ، ولو طاف طواف العمرة قبل أشهر الحج أو أكثره لم يكن متمتعا ، والإلمام الصحيح أن يعود إلى أهله بعد أفعال العمرة حلالا .

( وهو أفضل من الإفراد ) وعن أبي حنيفة أن الإفراد أفضل ؛ لأن المفرد يقع سفره للحج والمتمتع للعمرة ، وجه الظاهر أن سفر المتمتع يقع للحج أيضا ، وتخلل العمرة بينهما لا يمنع وقوعه للحج كتخلل التنفل بين السعي والجمعة ، ولأن المتمتع يجمع بين نسكين من غير أن يلم بأهله حلالا ، ويجب فيه الدم شكرا لله تعالى ، ولا كذلك المفرد .

( وصفته : أن يحرم بعمرة في أشهر الحج ، ويطوف ويسعى ) كما بينا .

( ويحلق أو يقصر ، وقد حل ) فهذه أفعال العمرة على ما بينا .

( ثم يحرم بالحج يوم التروية . وقبله أفضل ) يعني من الحرم لأنه في معنى المكي .

( ويفعل كالمفرد ) في طواف الزيارة .

( ويرمل ويسعى ) لأنه أول طواف أتى به .

( وعليه دم التمتع ) لقوله تعالى : ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) .

( فإن لم يجد صام ثلاثة أيام آخرها يوم عرفة ) لقوله تعالى : ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ) والمراد وقت الحج .

( ولو صامها قبل ذلك وهو محرم جاز ) لأنها في وقت الحج .

قال : ( وسبعة إذا فرغ من أفعال الحج ) يعني بعد أيام التشريق ؛ لأنه المراد من قوله تعالى :

( إذا رجعتم ) لأنه سبب للرجوع إلى الأهل . وقيل : المراد إذا رجعتم من أفعال الحج فقد صام بعد السبب فيجوز . ولو قدر على الهدي قبل صوم الثلاثة أو بعده قبل يوم النحر لزمه الهدي وبطل صومه ؛ لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل وهو التحلل ، وإن قدر عليه بعد الحلق قبل صوم السبعة لا هدي عليه لحصول المقصود بالبدل .

[ ص: 215 ] قال : ( فإن لم يصم الثلاثة لم يجزه إلا الدم ) كذا روي عن عمر وابنه وابن عباس - رضي الله عنهم - . ولا تقضى لأنها بدل ولا بدل للبدل ، ولأن الأبدال لا تنصب قياسا ، ولا يجوز صومها أيام النحر لأنها وجبت كاملة ، فلا تتأدى بالناقص ، وإذا لم يصم الثلاثة لم يصم السبعة ؛ لأن العشر وجبت بدلا عن التحلل ، وقد فات بفوات البعض فيجب الهدي ، فإن لم يقدر على الهدي تحلل وعليه دمان : دم التمتع ، ودم لتحلله قبل الهدي .

قال : ( وإن شاء أن يسوق الهدي أحرم بالعمرة وساق وفعل ما ذكرنا وهو أفضل ) لأنه - عليه الصلاة والسلام - فعل كذلك ، ولما فيه من المسارعة وزيادة المشقة ، فإن ساق بدنة قلدها بمزادة أو نعل ؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - قلد هداياه ، والإشعار مكروه عند أبي حنيفة حسن عندهما . وصفته : أن يشق سنامها من الجانب الأيمن ، لهما ما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - فعل كذلك ، وكذا روي عن الصحابة . ولأبي حنيفة أنه مثلة فيكون منسوخا لتأخير المحرم ; وقيل إنما كره أبو حنيفة الإشعار إذا جاوز الحد في الجرح ، وفعله - عليه الصلاة والسلام - كان لأن المشركين كانوا لا يمتنعون عن التعرض له إلا بالإشعار ، أما اليوم فلا .

قال : ( ولا يتحلل من عمرته ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " من لم يسق الهدي فليحل وليجعلها عمرة ، ومن ساق فلا يحل حتى ينحر معنا " روته حفصة - رضي الله عنها - .

قال : ( ويحرم بالحج ) كما تقدم .

( فإذا حلق يوم النحر حل من الإحرامين ) لأنه محلل فيتحلل به عنهما .

( وذبح دم التمتع ) لما مر .

[ ص: 216 ] ( وليس لأهل مكة ومن كان داخل الميقات تمتع ولا قران ) لقوله تعالى : ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) ولو خرج المكي إلى الكوفة وقرن صح ولا يكون له تمتع ؛ لأنه إذا تحلل من العمرة صار مكيا ، فيكون حجه من وطنه .

قال : ( وإن عاد المتمتع إلى أهله بعد العمرة ولم يكن ساق الهدي بطل تمتعه ) لأنه ألم بأهله إلماما صحيحا فانقطع حكم السفر الأول .

( وإن ساق لم يبطل ) وقال محمد : يبطل أيضا لأنه أتى بالحج والعمرة في سفرتين حقيقة ، ولهما أنه لم يصح إلمامه لبقاء إحرامه ، فكان حكم السفر الأول باقيا ، وصار كأنه بمكة فقد أتى بهما في سفر واحد حكما .




الخدمات العلمية